للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هذه الأقسام المختلفة، فتصل فرنسا إلى وحدتها الحالية. . .).

هذه كانت أحوال فرنسا التي سبقت جميع الدول الأوربية في طريق الاتحاد. وأما إذا أنعمنا النظر في تواريخ الدول الغربية الأخرى، فنجد فيها أيضاً أحوالاً مماثلة لذلك تجلت بمقياس أوسع، وبشدة أعظم، واستمرت مدة أطول.

لابد من أن نتذكر - في هذا الصدد - أن ألمانيا كانت منقسمة إلى أكثر من ثلاثمائة دولة ودويلة حتى أوائل القرن الماضي، وكانت لا تزال منقسمة إلى تسع وثلاثين دولة قبل ثمانين عاماً فقط!

إن اتحاد هذه الدول لم يتم إلا بعد جهود كبيرة وتضحيات عظيمة، وهذه الجهود قد اجتازت مرات عديدة أطوار فشل أليمة

ولهذا كله أستطيع أن أقول بكل تأكيد: إننا كلما توسعنا وتعمقنا في دراسة تاريخ الدول الأوربية ازددنا يقيناً بأن معالم الاختلاف والانقسام فيها لم تكن قط أقل من التي تجلت في تاريخ العرب بوجه عام.

إني أقول هذا بكل تأكيد مع علمي بأني أخالف بذلك آراء الكثرة الساحقة من الكتاب والباحثين.

وقد فكرت ملياً في الأسباب والعوامل التي حملت الرأي العام على التباعد عن طريق الصواب في هذه القضية الهامة، وأعتقد أنني وصلت إلى معرفتها بكل وضوح:

إن مراكز رؤيتنا لتاريخ العرب تختلف - بوجه عام - عن مراكز رؤيتنا لتواريخ الأمم الأخرى.

فنحن ننظر إلى تواريخ الأمم الأخرى عن بعد نظرة إجمالية فندرك خطوطها الأساسية العامة دون أن نتيه في تفاصيلها الفرعية. ولكننا ننظر إلى تاريخ العرب من قرب نظرة تفصيلية فنطلع على كثير من تفاصيله دون أن نحيط علماً بخطوطه الأساسية.

وأستطيع أن أقول: إن موقفنا تجاه التاريخ العام موقف رجل يتفرج على الجبل من السهل البعيد.

وأما موقفنا تجاه تاريخ العرب، فهو موقف رجل يسير في قلب الجبل ويتغلغل في وهاده.

ومن المعلوم أن الجبال تتألف عادة من وهاد ووديان، ومرتفعات ومنخفضات، وهضاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>