والأستاذ توفيق عوضي من الذين يؤمنون بالسهولة دون الميوعة في الصياغة ولا يقبل أبداً أن يترجم عن إحساس لا ينبعث من صميم قلبه؛ فهو يفهم كلمة العاطفة فهمها الصحيح، فقد ذهب البعض إلى أن العاطفة هي الحب أو البغض بما يستتبع كلا الحالين من مشاعر وأحاسيس، أما توفيق فقد فهمها على أنها انعكاس الصور الخارجية على نفسه الشاعرة ثم عبر عنها على أنها منبعثة من صميمه؛ وعلى هذا تراه دائم النظر إلى ما حوله يحاذر أن تفوته واقعة فلا يسجل أثرها في نفسه شعراً. فتراه يقول حين يستأجر الحمار والغلام بثمن واحد:
يزهدني في النسل أني بأمة ... تساوي بها الإنسان والعير في الأجر
وما دام أجر المرء والعير واحدا ... فحمداً لمن أغنى عن النجل بالعير
ويذهب ليقضي أمسية عند صديق له فتطيب وتبعثه في الصباح يقول مستبشراً به طروبا:
وصحت ذكاء فغنت الأكو ... ان ألحان الصباح
فسكرت من أضوائها ... ونعمت بالسكر المباح
ضحكت ثغور وروده ... كتضاحك الغيد الملاح
المقبلات كأنهن ... منى تتوج بالنجاح
وذكرت لطفك فانتشيت ... فكنت ريحاني وراحي
يا صاحبا في صحبة ... جمعت أزاهير الصلاح
وعلى اقتراحك قد نزلت ... وقد نزلت على اقتراحي
فتمازجت أرواحنا ... كالراح والماء القراح
هذه الرقة التي تلمسها وتلك الانطلاقة التي تجري بها الأبيات هي لاشك شعور صادق لا مين فيه. وإنك لتراه مع هذا يحب كما يحب الشعراء ولكنه يعبر عن شعوره في هذه الرقة نفسها. وإنك حين تقرأ له شكواه من الحب لا تملك إلا أن تفزع معه. يقول:
كف الصدود. . كفى. . كفى ... عذبت قلبي بالجفا
يكفيك مما شفنى ... أن الحسود قد اشتفى
إن ترض لي طول السقام ... قضيت عمري مدنفاً
أوترج حتفي إنني ... قد صرت منه على شفا