للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبهذه المكسلة الاجتماعية في الشبان يبدأ الشعب يتحول من داخله فينصرف عن فضائله ويتخذ في مكانها فضائل استعارة يقلد فيها قوما غير قومه، ويجلبها لبيئة غير بيئته، ويقسرها على أن تصلح له وهي فساد، ويكرهها على أن تنفعه وهي ضرر، وتلك حالة يغامر فيها الشعب بكيانه فلا تلبث أن تصدعه وتفرقه،

ولو أن في السحاب مطراً وغيثاً لما كان له في كل ساعة لون مصبوغ، ولو أن في الشباب دينا لما صبغته تلك الاخلاق الفاسدة، وما ذهاب الحارس عن مكان إلا دعوة للصوص اليه، وهل كان الدين إلا واجبات وتبعات وقيوداً يراد من جميعها إعداد الإنسان لأمثالها في الأجتماع، حتى يقر في إنسانيته الصحيحة على النحو الذي يصلح له منفرداً ويصلح له مجتمعاً؟ فليست الزوجة وحدها هي التي خيرت الشاب بل خسره معها الوطن والدين والفضيلة جميعاً، وبهذا أنعكس وضعه من الجماعة، فوجب في رأيه أن تسخر الجماعة له وان يستقل هو بنفسه. وبهذا العكس وهذا السقوط وهذا الاستمتاع الذي يجد سعادته في نفسه اصبح أولئك الشبان كأنما حقهم على المجتمع أن يقدم لهم بغايا لا زوجات. . . . بغايا حتى من الزوجات. . . .!

قبح الله عصراً يجهل الشاب فيه أن الرجل والمرأة في الوطن كلمتان تفسر الإنساني إحداهما بالأخرى تفسيرا إنسانيا دينيا بالواجبات والقيود والأحمال، لا بالأهواء والشهوات والانطلاق، كما تفسر الحيوانية الذكر والأنثى.

والنفس الدنيئة أو المنحطة في أخلاقها ومنازعها من الحياة لا تكون إلا دنيئة أو منحطة في أحلامها وأخيلتها الروحية، دنيئة كذلك في طاعتها إن قضت عليها الحياة بموضع الخضوع، دنيئة في حكمها إن قضت لها الحياة بمنزلة من السلطة. ولو تنبهت الحكومة لطردت من عملها كل موظف غير متأهل، فأنها إنما تستعمل شراً لا رجلاً يمنع الشر، وكل شاب تلك حاله هو حادثة ترتدف الحوادث وتستلزمها، وما يأتي السوء إلا بمثله أو بأسوأ منه.

ليس للزواج معنى إلا إقرار طبيعة الرجل وطبيعة المرأة في طبيعة ثالثة تقوم بالاثنتين معاً، وهي طبيعة الشعب. فمن سقوط النفس ولؤمها ودناءتها أن يفر الشاب القوي من تبعة الرجولة، فلا يحمل ما حمل أبوه من واجبات الإنسانية، ولا يقيم لوطنه جانبا من بناء

<<  <  ج:
ص:  >  >>