للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سوى ثلاث دول أو أربع هي سويسرا وهولندا والأرجنتين وبلجيكا، وعقب ذلك دعوة العصبة لروسيا للانضمام إليها وقبول روسيا لهذه الدعوة، وبذا تمت الإجراءات وغدت روسيا عضواً في عصبة الأمم، أو بعبارة أخرى في الهيئة التي شد ما خاصمتها وحملت عليها، ومما يلفت النظر أن هذه الإجراءات تجري وروسيا بعيدة عنها لا تحرك ساكناً ولا تصرح بشيء ولا تعلق صحفها بكلمة، ولتفينوف المشرف على الشئون الخارجية الروسية يقيم في أحد مصايف فرنسا الجنوبية. ذلك أن هذه الحركة كلها من صنع فرنسا وهي التي تحمل كل أعبائها وتسهر على تنفيذها، وقد جرت جميع المفاوضات بشأنها وراء الستار مما أدى إلى احتجاج بعض أعضاء العصبة، فقد حمل مستر دي فاليرا ممثل أيرلندة على هذه السرية، ونوه بما فيها من الشذوذ. ولكن كل شيء يسير مع ذلك وفقاً للبرنامج المرسوم.

ومن المعروف أن دخول تركيا في العصبة إنما هو نتيجة لدخول روسيا فيها. وقد كانت تركيا تحذو حذو حليفتها الكبيرة في موقفها إزاء العصبة وتنظر إليها بنفس نظرتها، وهي الآن تسير وراءها في سياستها الجديدة.

ولهذا التطور الذي انتهى بإقبال روسيا على عصبة الأمم واندماجها في زمرة الدول الغربية مغزى عظيم فيما يتعلق بمصاير روسيا البلشفية ذاتها، فقد كان شعار موسكو منذ ظفر البلشفية في سنة ١٩١٧، خصومة العالم (الرأسمالي) كله، والعمل على إضرام نار الثورة العالمية في سائر جنباته، ولم يقبل البلاشفة في ذلك أي مناقشة أو هوادة، وكانت الشيوعية تتقدم في غزو الدول الصناعية تقدماً حثيثاً، وتؤازرها موسكو بكل ما وسعت. ولكن البلشفية لم تستطع أن تعيش طويلاً بمثلها وغايتها المتطرفة ولم تلبث أن تأثرت بقطيعة العالم ومقاومته، اضطرت أخيراً أن تسلك مسلك الاعتدال سواء في سياستها الداخلية أو الخارجية. ورأى سادة موسكو أن موارد روسيا البلشفية وقواها المادية والمعنوية تتحطم تباعاً أمام ضربات الدول الغربية، وأن روسيا لا تستطيع الحياة إلى الأبد في ظل نظام يؤلب عليها العالم كله، ويحرمها من كل عطف وتعاون، فجنحوا إلى تغيير السياسة القديمة ومدوا يدهم إلى الدول الغربية، ولم تهمل الدول الغربية الانتفاع بهذه الفرصة فمدت يدها إلى روسيا وجذبتها إلى حضيرتها، فالآن نستطيع أن نقول أن البلشفية قد دخلت في دور

<<  <  ج:
ص:  >  >>