للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذلك لا نستطيع أن نتهم المادية والمدنية، فانهما (وإن جنَتا على بعض الأخلاق الكريمة كالإخاء والإخلاص والمروءة والرحمة) لم تجنيا على نزعات السرور في النفوس، ولم تقضيا على غرائز اللهو في الطباع، بل ازداد الناس بهما في ذلك شراهة وحدَّة.

والأعياد الأجنبية التي تشهدها مصر في ذكرى الميلاد ورأس السنة غاية في نعيم الروح والجسم، وآية في سلامة الذوق والطبع، وفرصة ترى فيها القاهرة (وهي متفرجة) كيف تفيض الكنائس بالجلال، وتزخر الفنادق بالجمال، وتشرق المنازل بالأنس، وتمسي الشوارع وبيوت التجارة ودور اللهو مسرحا للحسن، ومعرضاً للفن، ومهبطاً للسرور، وتصبح أعياد القلة القليلة مظهراً للفرح العام، ومصدراً للابتهاج المشترك!

وهي من وراء ذلك كله من أقوى العوامل في توثيق العلاقة بين الله والإنسان بالصدقات، وبين الأصدقاء والأقارب بالهدايا، وبين الكبار والصغار باللعب، وبين الإنسان والإنسان بالمودة.

إذن ما هي الأسباب الصحيحة التي مسخت حياتنا هذا المسخ، وشوهت أعيادنا هذا التشويه، فجعلت المظاهر فيها خروفا يذبح ولا يضحَّي، ومدافع تساعد المآذن ولا تجاب، وأياما كنقاهة المريض كل ما فيها همود ونوم وأكل؟؟

الحق أن لذلك أسباباً مختلفة، ولكنها عند الروية والتأمل ترجع إلى سبب رئيسي واحد: هو غيبة المرأة عن المجتمع الإسلامي. . . ذلك السبب هو علة ما نكابده من جفاء في الطبع، وجفاف في العيش، وجهومة في البيت، وسآمة في العمل، وفوضى في الاجتماع.

كرهنا الدور لاحتجاب المرأة، وهجرنا الأندية لغياب المرأة، وسئمنا الملاهي لبعد المرأة، وأصبحنا كالسمك في الماء، أو الهباء في الهواء، نحيا حياة الهيام والتشرد، فلا نطمئن إلى مجلس، ولا نستأنس لحديث!

فإذا لم تصبح المرأة في البهو عطر المجلس، وعلى الطعام زهر المائدة، وفي النَّدِي روح الحديث؛ وفي الحفل مجمع الأفئدة، فهيهات أن يكون لنا عيد صحيح، ومجتمع مهذب، وحياة طيبة؛ وأسرة سعيدة!.

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>