للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كيف تراني أيها الموت؟

أراك تنأى بخيالك عن الحياة، وتدنو مني. . . إنك تعيش في عالم الأشباح، وهو من عوالمي. . . إن مطارق الخيال والتصوف تهدم فيك تمثال للبقاء. . .

لي حاجة أسألك قضاءها

وما هي؟

إذا دقت ساعة الرحيل، فلا تقبض علي وأنا مقوس الظهر أتوكأ على عصاي. . . اقبض علي ورأسي ينطح الأفق، وقدمي راسخة فيالأرضلكي يقال أنني صارعتك، وفي ذلك عزائي في بلية الترب. . . أنا لا أحب الغنيمة الباردة. . . اقبض عليَّ وأنا أحدق إلى الشمس، وأفتش عن وجه الله، حتى إذا مثلت بين يديه تذكر أنني كنت بريئاً جريئاً. . . فتش عني في أعماق قلب الحياة، وانتزعني منها إذا استطعت. ولا تنتظر أن اجمع بقاياي لأرمي بنفسي على باب بيتك. . . والويل لك ثم الويل إذا أنت مسست روحي، وتجرأت على خيالي. . . إن خيالي أقوى منك فحذار. . .

أن خيالك يتكلم الآن. . . أما أنت. . . وهنا نفخ الموت نفخة جمد لها دمي، وحدق في منجله الملقي إلى جانبه، وأخذ يهز رأسه ويحملق ويغمغم، فخيل إلي أنه يقول لنفسه: لقد أتعبني هذا الوقح بتحديه وأسئلته التي لا آخر لها، فإذا وكزته بهذا المنجل، أو لوحت به أمام عينيه كف عني. فتملكني الرعب وكاد يهوى قلبي، فشددته بيدي ورحت أهرول مطلقاً ساقي للريح، لا ألتفت إلى الوراء، وأنا أحسب أن الموت يجد في أثري. . . وبعد قطع المئات من الأميال وأنا أعدو كجياد المتنبي الذي قال فيها:

عقدت سنابكها عليها عثيرا ... لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنا

وقفت عند ينبوع يتدفق بالحياة وأنا أرتجف وألهث إعياء، ورحت أعب الماء، وأجس رأسي وصدري وما فيَّ من شرايين وأوردة ودماء بعد أن تحدثت إلى الموت. . .

نعم، الموت الذي لا يفتح فمه إلا ليشرب الدماء. . .

راجي الراعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>