المسكون من جهة الشمال هو لغاية درجة ٦٣ فقط، لان المنطقة التي تقع بعد ذلك شديدة البرودة ومغمورة بالثلوج فهي غير صالحة للسكنى والعمران. لما كانت هذه نظريته أضاف إلى الإقليم السابع الذي ينتهي بدرجة ٥٩ أربع درجات أخرى من جهة الشمال من ٦٠ - ٦٣ وبذلك يتم الجزء المعمور من الأرض. ومما يذكر للإدريسي بالإعجاب والفخر انه حاول بتقسيمه الأرض إلى الأقاليم السبعة إثبات درجات العرض وتحديدها، وانه افلح في محاولته هذه إلى حد بعيد يجعل علماء الاختصاص في الوقت الحديث يطأطئون الرأس له إعجابا وتقديرا. أبتدأ الإدريسي بإثبات درجات العرض من درجة ٢٨ إلى درجة ٦٣ على التوالي، والدرجات التي أثبتها توافق الدرجات الحقيقية تمام الموافقة في جميع البحار وفي معظم اليابسة حيث توفرت لديه الأسباب أمكنه إجراء المقاييس الصحيحة؛ وفي بعض جهات قليلة من اليابسة حيث لم تتم لديه الأسباب تختلف الدرجات التي أثبتها عن الدرجات الحقيقية اختلافا بسيطا. فمثلا وضع الإدريسي مدينة (كلمار) ببلاد السويد عند درجة ٥٦ , ٣ وهي تقع عند درجة ٥٦ , ٥، وجعل الدانيمرك ابتداء من ٥٤ , ٥ إلى ٥٨ والصحيح أنها من درجة ٥٤ إلى ٥٧ , ٥، وجعل إنكلترا من ٥٢ - ٥٨ بدلا من ٥٠ - ٥٨ , ٥، وهذا طبعا فرق بسيط في جهات قليلة دعا إلى ارتكابه عدم توفر الأسباب كما تقدمنا، ولم تنقصه عناية الإدريسي ودقته. أضاف الإدريسي إلى القسم الشمالي من الكرة الأرضية جزءا بسيطا من القسم الجنوبي إلى درجة ١٦ جنوب خط الاستواء، هذا الجزء الذي تقع فيه منابع النيل، وبين عليه منابع النيل بشكل واضح يدل على مقدار براعته العلمية، ومد الساحل الشرقي لأفريقيا نحو الشرق وجعله حدا للمحيط الهندي من جهة الجنوب، وطبعا لم يلق هذا الجزء عناية الإدريسي لخلوه من السكان وعدم صلاحيته لذلك طبقا لنظريته التي شرحناها. كذلك لم يثبت الإدريسي درجات العرض إلى درجة ٢٨ شمال خط الاستواء، وإنما اكتفى بوضع أرقام بجانب أسماء البلاد التي تقع في هذه المنطقة. ولما كانت هذه الأرقام لا تتطابق مع درجات العرض للبلاد الموضوعة بجوارها وإنما تختلف عنها اختلافا كبيرا فإننا نستطيع أن نفهم السر في أن العلامة الإدريسي لم يثبت هنا درجات العرض متوالية كما فعل بعد تلك المنطقة، بل اكتفى بوضع الأرقام التي وصلت إليه في مواضعها كما اخبر بها.