وهنا ودعت أمسي مثلما شئت وشاء
أيها الملاح في نفسي للماضي رغاب
لم تزل تضحك للفجر وتحيا في الشعاب
فهنا كان رفاق، وهنا مر شباب
وهنا كان صباح وأماسي عذاب
أيها الملاح في جفني طيف لا يغيب
لترانيم وكأس ولقاء وحبيب
فهنا دنياي بالأمس وماضي الرتيب
وهنا مجلى خيالاتي ومغناي الخصيب
أترى مثلي تشجيك ترانيم الطيور؟
والسواقي تهداى في رمال وصخور؟
والندى الذائب خمر سكرت منها الزهور
فهنا شعت كئوس وهنا رفت ثغور
إيه يا ملاح: إني طال في الشط اغترابي
فلكم أطوى حياتي بين موج وضباب؟
أنا في الزورق ظمآن فهل تدرك ما بي؟
وعلى الشاطئ سمارى وأقداح شرابي
مل إلى الضفة كي ننسى تهاويل الطريق
فهنا العيش رغيداً، وهنا الظل الرقيق
علني أدفن همي بين أكواب الرحيق
وأرى الحاضر يزهي مثل ماضي الطليق
أيها الملاح - والزورق ينساب ويجنح
ونسيم الفجر يختال على الماء ويمرح -
يمم الشاطئ حيث الحلم النشوان يسنح
فهنا كنت مع الطير أناجيها فتصدح