ترفق بمصر فقد نالها ... خطوب تزلزل بنيانها
توالت عليها عجاف السنين ... وأعمى التنابذُ رُعيانها
وذاق بنوها بأوطانهم ... صنوف العذاب وألوانها
ألم تر كيف دهاها الكساد ... وكاد يدمر عمرانها
وكيف توقف فيها النماء ... وأخرجت الأرض ديدانها
فأضحى فتاها كسير الجناح ... كئيب الملامح خزيانها
وجاس الغريب خلال الديار ... قوي المخالب يقظانها
ألم يكف يا نيل هذا الشقاء ... فجئت تضاعف خسرانها؟
تحيرت يا نيل ماذا دهاك ... وأوحى لنفسك طغيانها
اساءك من مصر هذا السكون ... فقمت تحرك شبانها؟
وأوغر صدرك يأسُ البلاد ... فجئت تجدد إيمانها؟
ورحت تكذب ظن الدخيل ... وتوقظ للجد أعوانها
تحركُ وحدك في أمة ... أذل التفرق وحدانها
بلوت بنفسك ماضي البلاد ... وأدركت بالأمس سلطانها
وكيف تناهي إليها النبوغ ... فراحت تعلم جيرانها
تَلَقى من الوغى شتى الفنون ... وترفع في الأرض ميزانها
تدب الحياة على جانبيها ... فتشعر بالعز ولدانها
على البر تحشد أجنادها ... وفي البحر تنصر ربانها
تذكرت (أحمس) يزجي الصفوف ... ويدعو إلى النصر فرسانها
و (رمسيس) يخطر في جنده ... فخور المواكب مزدانها
وانست في مصر عهد الرشاد ... قد شمل العدل أركانها
تَلَقَّى الرسالة في غبطة ... ولو كره الروم إعلانها
تسير إلى الحق منقادة ... إليه وتخلع بهتانها
وتمسي من الأمن في جنة ... وقد كرهت قبلُ حرمانها
أسفت لحاضرها المستكين ... وأنكرت يا نيل خذلانها