كان أدب المازني أداة عيشه ووسيلة رزقه. لذلك كان يكره أن يعرضه لكيد الخصومة وعنت النقد. وكان سبيله إلى هذا أن يغضّ هو من قدر فنه، وأن يقلل من قيمة نتاجه، حتى يفوّت بذلك على خصمه لذة التجني عليه فلا يجد ما يقوله إذا أراد أن يتنقصه بنقده أو حقده. وتصغيرك لشأنك فيه معنى التواضع، ولكن تصغير غيرك لك فيه معنى الضَّعة. على أنه كان إذا أكرِه على الخصومة شديد العارضة حديد القلم يقرع صاحبه بالتهكم أكثر مما يقرعه بالحجة. ولو كان المازني مكفول الرزق من طريق غير طريق الأدب لما قَصر أكثر جهده على الصحافة. ومن مساوئ الصحافة أنها تفرض على الكاتب الموضوع وتحمله على السرعة. وموضوع المازني القَصص وفنه الوصف. فلو أنه خلص لهذين البابين لأتى فيهما أعجب العجب.
هذه بعض صفات الصديق الراحل ذكرتها مجملة في مقام الحزن على فقده والجزع لمصابه. أما سائر صفاته وتحليل ملكاته وترجمة حياته فلها في تاريخ الأدب فصل طويل سأكتبه بعد قليل.