للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم يسكت الكاتب الرائع تاركاً نتيجة هذا (القياس). . . المنطقي التعبيري تلمع في خاطر قارئه المأخوذ بروعة بيانه.

ويقول في موضع آخر: (العيد في الريف ذكرى، وخشوع، وإيمان مطلق لكنه في المدن قطعة من اللهو والعبث والاستهتار).

وليس المصور في هذا التعبير متجنياً على المدينة؛ فالواقع أن جنون المظاهر تلعب، فالانطلاق على غلواء الأهواء لا يعترف بزمام التؤدة والوقار! ويدعى المدينون أن ضيق نطاق القرية يدعو إلى التحفظ وتكلف التجمل لكن الواقع يناقض دعواهم: (فالعيد في الريف نور وجمال له قدسيته وجلاله الذي يستمده من الدين)، وقد أبدع الوصاف في تلك القولة الموجزة، لأنه صور بها قوة عاطفة الإيمان لدى القروي الذي يبصر في نهاره وليله دلائل القدرة تتجمع في الآفاق؛ فتوحي إليه بتقدير القدرة العالية! وفي قطعة (ورقة النصيب): (صورة ممتعة حقاً لأنها تجمع إلى قناعة الريف المتواضع الراضي طمع الحياة الإنسانية).

ويعتقد المؤلف بين خيبة المؤمل وحب الأمل فيقول: (لم يربح سعيد بالأمل، سعيد في خياله ورجائه، ولابد أن يواتيه الرجاء والخيال يوماً).

إن في (صور من الريف) نواحي متعددة تصور لك كما قلت حقائق الحياة في نطاق التجربة، وإنما عمدت إلى (وصف العيد) و (ورقة النصيب) لأنهما يصوران حقيقة النفوس، ويدلان على تعلقها بما يستحقها أو يدفعها إلى السكينة والدعة.

ولقد تهادت بين أعطاف هذه الصور، أطياف من الحب الريفي القائم على التكتم واعتصار الفؤاد، ومن دون الإفصاح عن الانفعال حيث تضغط المشاعر بمضغط القسر والإرغام، ويصور إحساس عذراء القرية حينما تفاتح في الزواج: (سألوني هل تتزوجين؟ فعقد الحياء لساني ولم أستطع أن أتكلم، وإنما أجبت بالدموع، ألحوا في السؤال فألححت في البكاء، ولو كانوا يفهمون أو يريدون أن يفهموا لأدركوا ماذا تعني دموع عذراء).

إن الأستاذ محمد زكي عبد القادر يحب الاستدلال على ما يصدر بمقول غيره توكيداً لمراده، ونلمح دائماً حبه الاستشهاد بأقوال الفرنجة، والأدباء ملهمون يصدرون المعاني الإنسانية المشتركة على تباين الأديان والأقطار، وقد نقل عبارة عن (واشنجطن أرفنج) في

<<  <  ج:
ص:  >  >>