للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولم أعر الخبر شيئاً من اهتمام لعلمي بما تقتضيه الحياة العسكرية من تنقل فجائي. . . وفي أصيل اليوم ذاته سمعت أن (نادية) سافرت إلى (رأس البر) لقضاء أسبوع مع أقاربها. وقد تركت لي رسالة تخبرني بذلك.

وظللت حائراً أمام هذه المصادفة العجيبة. . . ورأيتني فجأة وحيداً إلا من وساوسي وخيالاتي، وأشواقي المضطرمة.

أنت تعرف - يا عزيزي - أن الوحدة لدى الإنسان العادي جحيم لا يطاق. . . فكيف بوحدة الإنسان الممتلئ بالظنون، المتأرجح في الأجواء، تتلاقفه الأهواء، وتستبد به الخيالات، ويحس بشوق إلى أكتناه حجب المستقبل.

لقد تعذبت كثيراً وتحطمت أعصابي تحب أعباء الظنون القاسية، وهزت نفسي هزات من القنوط، وصرت صريع دياجير من أفكاري وتصوراتي.

وأخيراً رجع صاحبي. . . ومعه زوجته

لست أعرف السر في إخفاء خبر زواجه عني أنا الصديق المقرب له.

وبعد يومين رجعت نادية. . . وفي مساء اليوم ذاته ألتقيت بها. . . وكانت معي (دبلة) تختفي في حياء إحدى زوايا جيوبي.

ولكن رأيتها صورة ثانية. . . كأنني لم أرها قبل عشر سنوات

ولمحت على وجهها اكتئاباً عميقاً، وفي عينيها شروداً وغموضاً، وفي اختلاج صورتها رنة من العبرات المحبوسة.

تكلمت في مواضيع مختلفة، ولكنها لم تتطرق إلى موضوع زواجنا. . . أنسيته أم تناسته، أم ندمت على ما قالته؟. . . لست أدري فقد بلغ الغيظ مني مبلغاً عظيماً وأحسست بأن الأرض من تحتي تتحول إلى رمال هشة، وتحاول أن تبلعني.

قلت لها:

- أنسيت ما عاهدتني عليه؟

أي عهد؟

- أي عهد؟! أنسيت أحلامنا وأمانينا؟

سكتت وشردت بصرها أثر النجوم التي تطل على عالمنا ساخرة كأنها تضحك من مآسينا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>