للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عهد الجمعية).

ولكن هل تفيد مصر من الانضمام إلى عصبة جنيف سواء في الحال أو الاستقبال؟ لسنا ممن يعتقد ذلك. إن تاريخ عصبة الأمم إزاء الأمم الشرقية والأمم الضعيفة حسبما بسطناه لا يدلي بأن العصبة تأخذ بمبادئ المساواة والعدالة الدولية بين مختلف الأمم؛ والعصبة سواء بنشأتها أو القوى المهيمنة عليها، أو الغايات التي تعمل لها، تنم عن روح غربية عميقة، وربما نمت أيضاً عن روح نصرانية كما ظهر من موقفها نحو العراق فيما اشترطته عليها ثمناً لانضمامها إليها. ولن يكون شأن المثول في العصبة في ظروفنا الحاضرة إلا كشأن التمثيل السياسية الذي يكبد مصر مئات الألوف دون أن تجني من ورائه مزايا عملية يعتد بها. وحتى لو سويت المسائل المعلقة بين مصر وإنكلترا وعقدت المعاهدة المصرية الإنكليزية المنشودة، وتأكد استقلال مصر من الناحية العملية، فأنا لا نجد ما يحمل مصر على السعي إلى الالتحاق بعصبة جنيف. ومن الخطأ أن يتصور البعض أن المثول في العصبة من مظاهر الاستقلال، فان بين أعضاء العصبة مستعمرات وأملاكاً مستقلة طبقاً لما ينص عليه ميثاقها.

لقد تمزق الحجاب أخيراً عن ذلك الرياء الدولي الذي استمر زهاء خمسة عشر عاماً، والذي لبث حيناً يحتضن الدعوى إلى السلام وتفاهم الأمم، ويعقد المواثيق للتحكيم وتحريم الحرب؛ وعادت أوربا القديمة إلى سياستها القومية القديمة، عمادها القوة والعنف، وغايتها افتراس الأمم الضعيفة؛ وما عصبة الأمم إلا عرين الأمم المفترسة قبل كل شيء، ولا خير لأمة ضعيفة أن تقر الذئاب على ريائها، ولا خير لها بالأخص في أن تندمج معها في صعيد واحد.

محمد عبد الله عنان المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>