الصربي أسيراً. وأرتجف الكثيرون ممن شرفوا على الموت، عندما أدركوا أنهم على وشك فقد حريتهم. إن انتقام البلغاريين لأكثر خوفاً من الموت.
(أيها الأخوان، أيها الأخوان. . .).
وأدرك القائد رغباتهم المختفية في صيحاتهم، فنحى عينيه عنهم. وسألهم العديد من المرات (أتطلبون مني أن. .؟).
وحرك الكل رؤوسهم بالإيجاب. أنه إذا كان لا مفر من تركهم، فلا يليق به أن يغادر خلفه صربياً حياً. ألا يطلب هو نفس الطلب لو كان في مكانهم؟
وكانت قلة الذخيرة بسبب التقهقر قد جعلت الجنود يحتفظون برصاصهم في غيرة. وسل القائد حسامه. كان بعض الجنود قد بدأ في القيام بمهمته وقد أستعمل سلاح بندقية في تردد وبلا دقة. طعنات طائشة بلا هدف، ودافق فياض من الدم. وجر كل الجرحى أنفسهم صوب القائد لينالوا شرف الموت من يديه، وقد جذبتهم رتبته ومهارته في الضرب.
وجعل يدفع نصل حسامه الممشوق في رقابهم، جاهداً أن يقطع شريان الحياة في ضربة واحدة.
وهكذا جعل القائد يصف المشهد المهول وكأنه مائل أمام عيني وأقبلوا زاحفين على أربع، وتجمعوا حول قدميه. وحاول في بادئ الأمر أن ينحي برأسه بعيداً حتى لا يرى ما الذي يفعله، وقد امتلأت. ولكن كان من جراء ذلك الضعف الذي أنتابه أن صار يطعن بلا دقة، مما أضطره إلى إعادة الطعنات وإطالة الآلام. فليهدأ إذا! بيد ثابتة، وقلب جامد!
(أيها الأخ خذني!. . خذني!).
وتجادلوا حول أسبقيتهم في الموت، كما لو كانوا يخشون الوقوع بين أيدي أعدائهم قبل أن تتم الضحية الأخوية. وتعلموا بالغريزة كيف يضعون أعناقهم الوضع المناسب. فكان كل واحد منهم يضع رأسه ويميل به على جانب واحد، حتى يكون العنق مشدوداً، والشريان متصلباً مهيئاً للطعنة القاتلة.
(أيها الأخ، خذني!).
وأنبثق دافق من الدم. وكان كل منهم يسقط فوق الجثث الأخرى، تلك التي (نضب) منها الدم وكأنه زق من النبيذ القاني.