مثل ارتداد الطرف ذهب من أرض الآدميين إنسان، وغاب من سماء العبقريين فنان!
والهف نفسي على أحبائه وقد مسهم ما مسني من غصة الريق وحرقة الجوى حين نعاه إليه م الناعي! لقد كان كل معنى أقرب إلىعلي في أذهانهم إلاّ معنى الموت. لذلك ظلّوا متبلدين ساهمين، يقلبون الأكف أسى وحسرة، ويحركون الألسن إنكاراً ودهشة!
لا يا بديع الزمان! ليس الموت كما زعمت خطبا صعب حتى هان، ولا ثوبا خشُن حتى لان! إنما الموت نقيض الحياة وبغيضها من أزل الدهر إلىأبده؛ لا تقترب من مظنته، ولا تأنس بناحيته، ولا تسكن إلىريحه، حتى يفجأها كالقضاء، ويدهمها كالوحش، ويختلها كالصائد، ويختلسها كاللص! وهل الدنيا كلها بمن فيها وما فيها إلا معركة لا تفتر بين البقاء والفناء والجدَّة والبلى؟ أرحام تدفع، وأجداث تبلع، وهجوم فيه المرض والشهوة والأثرة، ودفاع فيه الطب والسياسة والخديعة، وصرعى هذه المعركة الضَّروس لا ينفكون يتناثرون من بين شقي الرحا الهائلة أشلاء لا تُشبع جوف الأرض، ودماء لا تنقع غليل الثرى!
عرفت علياً منذ سبع وعشرين سنه على الضفاف الخضر من مدينة المنصورة. وكان حين عرفته شابا منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يطلب غير اللذة، ولا يحسب الوجود إلاّ قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك!
كان كالفراشة الجميلة الهائمة في الحقول تحوم على الزهر، وترف على الماء، وتخفق على العشب، وتسقط على النور، لا تكاد تعرف لها بغية غير السبوح، ولا لذّة إلاّ التنقل. ثم تتبعته بعد ذلك في أطواره وآثاره، فإذا الفراشة الهائمة على أرباض المنصورة تصبح (الملاح التائه) في خضم الحياة، (والأرواح الشاردة) في آفاق الوجود، (والأرواح والأشباح) في أطباق اللانهايه؛ وإذا الشاعر الناشئ يغدو الشاعر المحلق بجناح المَلك، وتارة بجناح الشيطان، يشق الغيب، ويقتحم الأثير، ويصل السماء بالأرض، ويجمع الملائكة والشياطين بالناس!
كان علي - وا حسرتا عليه - من أصدق الأمثلة للشاعر الذي خلقته الطبيعة. والشاعر الذي تخلقه الطبيعة يكون في ذاته وفي معناه نشيداً من أناشيد الجمال، ولحناً من الحان الحب؛ فيكون شاعراً في أخلاقه ومُثُلة وأحلامه وهندامه وسلوكه، وفي نمط حياته وأسلوب