الجواب: نعم بشرط أن يكون هناك مقصد عال ومرمى واضح يوضع موضع الانتصار على هتلر وأعوانه. وهل يتصور أن يتألف هذا المقصد السلمي الدائم إلا من قيم روحية وأخلاقية وإنسانية ذات منفعة عالمية يجد الفرد في تنميتها وتشييدها ما كان يجد في إمداد القوى المحاربة وتعزيز الدفاع ضد العدو؟ ثم هناك مسألة أخرى وهي: هل يمكن أن توجد وتقوى وتزدهر القيم الروحية والأخلاقية مجردة عن نظام ديني؟ مهما يقل القائلون في هذا الصدد فإنه يكفينا في هذا المقام أن المفكرين في إنجلترا رأوا أن لا معدي لهم عن الارتكاز على الدين (لا استغلاله كما نفعل نحن في بعض المناسبات) ولذلك رسموا للدين مكانا محترما ممتازاً في مشروع قانون التعليم لسنة ١٩٤٤م. ولكن هناك بعض الناس يخيل إليه م أن القيم الإنسانية إذا اقترنت بالإسلام فهي لابد أن تتحول (طائفية) أرى أن الانصراف عن إقناع هؤلاء الناس أولى من الرد عليهم.
وهكذا مر التعليم بأربعة أدوار مختلفة؛ فإنه كان في الأول يقتصر على نقل بعض الملومات إلىذهن الطالب. ثم اتسع نطاقه حتى شمل الجسم السليم مع العقل السليم؛ وبعد ذلك أشاروا بإبراز شخصية الطالب وتنمية قواه الكامنة فحسب، حتى انتهى بهم المطاف في الوقت الحاضر إلىإدماج تلك الشخصية في المجتمع وضرورة توجيه عواطف وتركيز اهتمامه في المصالح الجماعية.
وللكاتب الإنجليزي المذكور استطرادات طريفة، منها أن الولاء للقدور السامية والقيم الأخلاقية من أقوى الضمانات للإقلال من أوقات الفراغ والقضاء على الكسل والبطالة والحد من المرح والهزل؛ وفوق ذلك كله هو الدواء الوحيد لتجنيب الإنسانية ويلات تقدم العلوم والحضارة الآلية التي تؤدي إلىفناء المواساة وعدم المروءة. ولعل من أهم ما استطرد إليهالكاتب مصارحته القول بأن الديمقراطية الحقة لا يمكن أن توجد إلا بالاستناد إلىالدين؛ وذلك لأن المساواة بين الناس شيء لاوجود له. في العالم الخارجي المحسوس ولا يقرَّهُ العقل. أو ليست الحقيقة البسيطة الملموسة التي تؤكد نفسها علينا كل لحظة هي استحالة وجود رجلين متساويين في الخلق والمواهب والقدرة؟ أو لا ترون أن الفيلسوف هكسلي لم يكن عنده رادع من أن يهزأ علنا من تصور وحقوق الإنسان الطبيعية؟ فهل نقنع بوجوب استبدال أرستقراطية العقل والدهاء بأرستقراطية الحسب والمال؟ حقا لا ينشأ