ومنها الذي في الأزبكية زانه ... بهاء وحلى ما حواه مناظم
وكيف وللتفريح فيه ملاعب ... بهن سرور للبرية دائم
وقصور ولي المهد فيه كأنه ... بما حوله فوق المجرة قائم
وفيه سرايات وفيه حدائق ... وفيه لإحياء الفنون معالم
وهكذا استمر الشاعر يذكر القصور والبساتين، والشوارع والطرقات والحدائق والمتنزهات، وكل ما ظهر من معالم الحضارة وآثار العمران كالسكك الحديدية والترع والقناطر والكباري قال:
وأما أخاديد الحديد فإنها ... قد انتشرت في القطر منها مغانم
وراجت بها بعد الكساد تجارة ... لها اليمن في ظل الأمان مسالم
وقد غرست في جانبيها بحكمة ... لتوصيل أخبار البرايا قوائم
ثم انتقل إلى ذكر دواوين الحكومة ومصالحها ومجلس الأحكام والمجلس المخصوص والمطبعة الأميرية ومصلحة التفتيش والدائرة السنية ودائرة الأنجال ومجلس النواب، قال:
وعن مجلس النواب حدث فإنه ... منوط بما فيه لمصر الغنائم
وذكر القانون القاضي بإلغاء السخرة فقال:
ولم يبق للتسخير في بر مصر ... وجود وزالت قبل ذاك مغارم
ولما ارتبكت الأحوال المالية في مصر أخذ الشعراء يتناولون الحالة السياسية بالنقد والتجريح. ومن هنا بدأ الشعر السياسي في الظهور. قال صالح مجدي معرضاً بالخديو:
رمى بلادكم في قعر هاوية ... من الديون على مرغوب جوسيار
وأنفق المال لامناً ولا كرما ... على بغي وقواد وأشرار
والمرء يقنع في الدنيا بواحدة ... من النسا وهو لم يقنع بمليار
ويكتفي ببناء واحد له ... تسعون قصراً بأخشاب وأحجار
فاستيقظوا لا أقال الله عثرتكم ... من غفلة ألبستكم ملبس العار
ولا شك في أن الشاعر قد تحامل كثيراً وبعد عن الصواب. فبعد أن أشاد بالأعمال الجليلة التي قامت في عصر إسماعيل، وبعد أن تغنى بمظاهر الحضارة والعمران التي ازدانت بها مصر في أيام ذلك العاهل العظيم، رجع يردد بعض التهم التي اخترعها نفر من الأوربيين