دعتك لليل الحائرين ويأسهم ... وللأمل المكلوم والمقلة الحسرى
وللعاشق اللهفان والشوق عارم ... وللقلب يصلي من تباريحه جمرا
وللأرغن النشوان يستشرف الربى ... ويسكب في أفيائها اللحن والسحرا
وللشرق تدعوه لكل جديدة ... وللغرب توليه المجنَّحة الغُرّا
شدوت على النيل الخصيب محلقاً ... ولحت على باريس تصطحب (النسرا)
وطوَّفت في الغرب البعيد فلم تدع ... هنالك سهلاً يستجيب ولا وعرا
ورافقت عيد (الكرنفال) مهموماً ... مع الليل و (الجندول) قد واكب النهرا
وسامرت (لوجانو) تداعب غيدها ... وغنيت (فينسيا) وشُطآنها الخضرا
وناجيت (كومو) والعرائس تلتقي ... عليها تذيع الحب والوصل والهجرا
وودعتها صديان إلا تعلة ... تسرِّي بها نفسك الألم المرا
ترانيم توحي الذكريات نشيدها ... وتمرح كالأنسام عابقة نشرا
فقالوا: أديب هام بالغرب واجتوى ... ربوعاً غذته الروح والدم والنجرا
وأغرته آفاق وغيد ونهزة ... من العمر لم يبرح بها واجداً مغرى!
وما علموا أن الخيال متى سما ... طوى بجناحيه العوالم والدهرا
عليُّ. وهذا الشعر نجوى تبثها ... نفاثات قلب عز أن يجد الصبرا
وجدتك حيناً تبعث اللحن راضياً ... فينساب عن ثغر تبسم وافترَّا
وآونة تزجيه حسران غاضباً ... وتنفث من أحشائك القطع الحمرا
فهل كنت في الأولى من الدهر بالغاً ... مسارب عيش سمحة النبع والمجرى؟
وهل كنت في الأخرى على شرّ مورد ... فأوسعت هذا العالم النظر الشزرا؟
عذرتك إذ تشكو الحياة ضنينة ... وتعرض عنها حين تعرض مزورا
وتنسى من التاريخ أحلام شاعر ... وتدفن في الأوهام عيشك والعمرا
وتستقبل الأيام لا بَرِماً بها ... فإن ضقت تلقاها بما يلهب الصدرا
فما أنت إلا الشاعر الحر قد أبى ... من الدهر ما لا يقنع الشاعر الحرا
علي وما أنسى من العمر ليلة ... صحبتك فيها باسماً كالندى ثغرا
وسامرت فيك الأريحي خلائفاً ... وصافيتني الطبع المهذب والبشرا