قوية رائعة بما فيها من رقيق غزل، أو من بارع وصف، ومن بالغ حكمة وجليل مثل، كأن لم تفقد شيئا، ولم يعوزها شيء!. .
إذن كان شوقي شاعراً مطبوعاً أتم طبع، سرياً أجزل السراء، موفقاً إلى أبعد غايات التوفيق. تصرف في فنون الشعر كلها فما ضعف قط في واحد منها، بل قل أن يتعلق بغباره في أي باب من أبواب القصيدة شاعر، اللهم خلا الهجاء، فلم يؤثر عنه فيه بيت واحد. ولعل ذلك يعود، كما قلت في (مرآته)، إلى لطف نفسه، وأنفته من أن يشهر الناس ويطلب معايبهم، أو لعله يعود إلى الخوف والورع من أن يزيد في ثورة خصومه به، لعله فطن إلى أن الزمان سيعفى على هذا الضرب الحقير من الشعر. وأما احسبه لو عالجه إلا موفياً فيه على الغاية والإحسان على أن الله تعالى كان الطف به من أن يدليه في هذا الهوان.
وإذا كان عجباً من كثير من الشعراء أن يكون حظهم من البراعة في فنون الشعر بدرجة سواء - فإن هذا من شوقي وأمثال شوقي غير عجيب. فالرجل، كما زعمت لك، لا يملك من شاعريته. اكثر مما تملكه شاعريته وما أن اجتمع لقول الشعر، ومضى يجيل الفكر ويطير الخيال، إلا ملكته تلك الشاعرية عن نفسه، وراحت تجوده بالهاتن الحنان من وحي القريض. فإن أصابت ما احتفل له، وإلا ففي فنون المعاني الآفاق العرائض. أرجوك أن تراجع شعر شوقي في كل ما يتورط فيه الشاعر، ولا ينبعث له من نفسه لو كان أمره كله إليه، لتزداد إيماناً بما أقول.
وأرجوك إلا تحسبي غالياً ولا متزايداً إذا زعمت لك إن شعر شوقي كان في بعض الأحيان، بل في كثير من الأحيان، يتخطى إدراكه العادي. أعني إنه لقد كان يصيب ألواناً من المعاني لو انك راجعته فيها غداة نظمها لاحتاج في فهمها إلى فكر وتدبير!.
ولقد وقع لي اكثر من مرة إن راجعته في بعض شعره أرى أنه قد مس فيه معنى رفيعاً جداً، ولكن اللفظ اقصر من أن يطوله بواضح البيان، وإني لأضمر ما المح، وأحياناً ما كان يلمح غيري، فإذا هو بادئ الرأي كقارئة متحير متردد، وإذا هو في فهم مرامي الكلام في حاجة إلى حبس والى استخبار! وأريد أقول لك أن هذا الرجل لقد كان يفاض عليه ساعة وحي الشعر ما لم يكن لفكره في الحساب. ولقد ذكرت هذا من بضعة أيام لنفر من الأدباء