ثم داول الله الأيام بين الناس، فاصبح المسلمون يترنمون بملحمتك من غير أن يفقهوا أسرارها، ويرددون ذكراها من غير ان تترك فيهم آثارها، فلقد نسوا سنن الله في خلقه أو تناسوها، ولقد جهلوا شريعتهم أو تجاهلوها، فأصبحوا - على كثرتهم - غثاء كغثاء السيل، وأصبحوا يا رسول الله ينتسبون إليك انتساباً، ويحملون من دينك أسماء وألقاباً، ويعيشون على هامش الحياة أذناباً وأعقاباً.
أجل يا سيد المرسلين. . . لقد أذن ربك المنتقم الجبار للزمن العاتي أن يعبث بهم، فنزع من صدور عدوهم المهابة منهم، وقذف في قلوبهم الوهن، فعادوا بعدك كفاراً يضرب بعضهم رقاب بعض، وأمسوا أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين، يؤثرون حياة الهوان والعبودية على الموت في سبيل الكرامة والحرية حتى تداعت الأمم إليهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فمزقتهم شر ممزق، وأذاقتهم عذاب الهون.
على أن ملحمة هجرتك - يا بطل الأنبياء - ما برح لها في بعض النفوس أثر، فلقد كتب الله لذكراها الخلود حتى تنفع المؤمنين بالموعظة، وتدعو بالحكمة، وتحي ميت القلوب، وتعيد مجد الدين.
ولقد أفتتح الله ملحمتك بالاضطهاد والعذاب، واختتمها بالفتح والنصر، فهل يريد التاريخ أن يعيد نفسه، وهل تبهرنا اليوم الشدائد والأهوال، لتخلق منا جيلاً جديداً، يستحق نصراً من الله وفتحاً قريباً؟