في الآداب التاريخية العربية؛ ولم تقف الترجمة الخاصة عند نوع معين أو طائفة معينة من العظماء، بل تناولت رجال السيف والقلم، والملوك والوزراء، القادة والمفكرين، الكتاب والشعراء من كل ضرب؛ ومنها الموسوعات العامة، ومنها المجموعات الخاصة لطوائف معينة، ومنها التراجم والسير الفياضة، ومنها الموجزة. وفي الآداب العربية، ونهضت فيه الآداب الأخرى. غير أن هذا التراث الحافل يقف مع الأسف عند بدء تاريخنا الحديث، وينقطع سيره انقطاعاً تامًا، فلا نكاد نظفر في ذلك العصر بآثار قيمة في التراجم العامة أو الخاصة؛ وهذه ثغرة في آدابنا التاريخية لم نوفق إلى تداركها حتى اليوم.
ويجدر بنا أن نستعرض بهذه المناسبة طرفاً من تراث التراجم والسير الخاصة في الأدب العربي، لنذكر شبابنا المتعلم بما خص به هذا الفن في أدبنا من العناية والاهتمام، وما انتهى إليه من النضج والتقدم. وما نذكره هنا هو على سبيل التمثيل فقط، إذ يقتضي الإلمام بجميع آثار هذا الفن فصولا بأسرها. وفي مقدمة هذه الآثار السيرة النبوية الكريمة، وأشهرها وأنفسها سيرة أبن إسحاق التي دونت في منتصف القرن الثاني من الهجرة. وكتب ابن النديم كتاب الفهرست الشهير في أواخر القرن الرابع، وألم فيه بطائفة كبيرة من تراجم الفلاسفة والمفكرين والكتاب وآثارهم حتى عصره؛ ومنذ القرن الخامس يعظم ميدان هذا الفن ويتسع، وتوضع فيه الموسوعات الكبيرة؛ فنجد الخطيب البغدادي المتوفى في أواخر هذا القرن يستعرض في كتابه الضخم (تاريخ بغداد) مئات من تراجم العظماء والخاصة في جميع الدول الاسلامية؛ وفي القرن السابع وضع القاضي الأجل شمس الدين بن خلكان موسوعته العامة (وفيات الأعيان) في تراجم العظماء من كل ضرب. ولا ريب أن معجم ابن خلكان من أنفس آثار الترجمة العربية إن لم يكن أنفسها جميعاً. فهو موسوعة شاسعة تحتوي على أكثر من ثمانمائة ترجمة لأعلام الأمم الاسلامية، ومنها تراجم ضافية تملأ جميعاً بالتحقيق ودقة التصوير؛ وقد عني ابن خلكان عناية خاصة بتحقيق الأسماء والتواريخ، ونستطيع أن نقول إنه أول مؤرخ عربي جعل من الترجمة فناً حقيقياً، وما زال معجمه إلى عصرنا من أهم المراجع التاريخية وأنفسها. وبلغ فن الترجمة ذروة ازدهاره في القرنين الثامن والتاسع؛ وظهرت فيه الموسوعات الغنية الشاسعة، وخص كل عصر وكل قرن بأعيانه وأعلامه، ونستطيع أن نذكر من آثار هذا العصر، كتاب (أعيان العصر