إني جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي
فالجسم مني للجليس مؤانس ... وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
وتقول أيضاً:
حبيب ليس يعدله حبيب ... وما لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن بصري وشخصي ... ولكن عن فؤادي لا يغيب
وتطالع رابعة سفر أيامها وتتلف معددة ما أتته من الأعمال فترى في نفسها التقصير، وترى أن زادها من الأعمال الفاضلة أقل من القليل؛ ثم تذكر الله ولذة رضاه وسبيل لقائه الطويل المحفوف بالدموع والآلام والمشاق فتخطر لها فكرة العذاب فتهتف بلوعة وحسرة:(إلهي أتحرق بالنار قلباً يحبك؟!) ويضنيها التفكير فتتناول القلم وبيد مرتجفة من الانفعال تكسب على القرطاس ما يعتلج في قلبها الذاكي من المواجد والآلام فتستوي لديها هذه النفاثة الرائعة:
وزادي قليل ما أراه مبلغي ... أللزاد أبكي أم لطول مسافتي؟
أتحرقني بالنار يا غاية المنى؟ ... فأين رجائي فيك أين مخافتي؟
وتحدثنا الرواية أن رابعة بعد أن بلغت الثمانين من العمر أصبحت وكأنها الحلال البالي، تتحامل على نفسها من شدة الإعياء. وإذا مشت تكاد تسقط من فرط الكلال وعندما اقتربت منيتها أوصت صديقتها المخلصة عبدة بنت أبي شوال بأن تكفنها بعباءة صوفية صحبتها شطراً من حياتها وشهدت قيامها في الأسحار وتهجدها في الليالي وتبللت بدموع الخشوع.
فلما جاءها القدر المحتوم سنة خمس وثلاثين ومائة هجرية كفنت بعباءتها الحبيبة وخمار صوفي كانت تلبسه ثم دفنت في جبل الطور شرقي القدس.
وهكذا كف قلب رابعة العامر بالحب الإلهي الخالد عن الخفقان ولكن بعد أن وقع أجمل الألحان وأسمى الأنغام.