أخرج غضبه في غير موضعه. لقد كانت الأم طريحة الفراش يهددها القلب بالتوقف حتى إذا طالعها من ابنها هذا العتود. ماتت
وهكذا تتوالى عليه المصائب في غير توقف. وهو هو الرعديد الجبان الضعيف يخر لها في غيبوبة ثلاثة أيام يرعاه أخوه وأخته حتى إذا أفاق وتذكر خيل إليه أنه وصل إلى حقيقة نفسه. وهو أنه خلق للتصوف؛ ولكن لم يكد يستقر به التفكير على هذا حتى تدخل إليه دميمته. إنها تسأل عن صحته وتسدل الستار.
إن في الرواية بعد ذلك لفتات عبقرية إلى دقائق الحياة ليست غريبة على نجيب ولا هي بغريبة علينا منه. ففي الكلام الذي يقوله الأب لابنه في الزيارة الأولى وفي التحليل العجيب لنفسية المخطئ السكير وفي تبريره السر واقتناعه به بعقله إلى جانب عاطفته وفي دفاعه المنسجم مع منطقه. في كل هذا اكتمال، بل قمة فنية نجيب خير من يرقاها.
وفي النقاش الدائر بين كامل السكران وبين الحوذي الذي يطلب إليه (كامل) أن يذهب به إلى بؤرة فساد؛ في هذا الحوار لفتات بارعة فترى الحوذي يقول حين يصل (هنا الفساد الأصلي) في هذه السهولة وهذه الوقاحة ونرى (كاملا) يألم على رغم سكره حين يوغل الحوذي في الحديث. لفتة بارعة أيضاً.
بقي أمر لابد أن أعرض له على من نلقى عبء النكبات المتحدرة على (كامل). نظرة سطحية للأمور تجيب: على القدر. ليس القدر كلها أخطاء بشر. أم مدللة، وجد يدلل الأم. لابد أن ينتج ابن هش ضعيف النفس يتعلق بالقبح، وما هذا إلا شذوذاً في الخلق وعقدة في النفس أودت بحرمة بيته، وهو غبي ولم يكن الغباء موهبة عنده، ولكن أمه لم تعط الفرصة لعقله أن يعمل فخمل، وعرف في نفسه الغباء وعرف فيها الجبن، فاحتقر نفسه، فسقط لو هيأت له تربية صالحة لما سار إلى هوته. أن ذا النظرة السطحية يقول لم لم يهيئ له القدر تربية صالحة. ليس القدر. أنه أبوه أو جده لأبيه لم يحسن التربية، ولم يثقف ولده فأدمن الخمر وتزوج ولم يصبر على الرجولة الحقة، وفضل الدعة إلى جانب كأسه على أن يحمل نفسه مشقة الالتفات إلى أولاده.
والزوجة الخائنة لمن يحسن أهلها تربيتها فسقطت وكان الأحرى بها أن تطلب الطلاق ولا تتردى فيما فعلت، تطلب الطلاق.