ولكننا مع كثرة التكرار والتردد للمظاهر المتشابهة في حياتنا حسبنا هذه الماهية أزلية تنتقض على طول الزمن في صورة أشكال من هذا الطراز أو ذاك. ولكن الواقع أن هذه الأشياء إنما تحدث في كل مرة لأول مرة وتأني مع اطراد الأحداث بغير تقدير ممهد ولا خطة قبلية. وبذلك ينمحي طابع الجمود والتردد في الحياة ويتدخل عنصر الفن بشياته المتباينة. ولا شك أن الفنان وحده هو الذي يستطيع أن يدرك مدى الرهبة التي تصيب الإنسان في تقدمه خلال السحب القائمة من فوقه وهي لا تنفأ تنذره من حين إلى حين بالمطر الغزير. فالإنسان وسط الحياة ليس غريباً عن مثل هذا الموقف عندما يحس في قرارة نفسه بأنه متروك في الوحدة المفزعة بغير سند إلا من اختياره ورأيه وهواه.
ومن هنا تتدخل المسئولية في اعتبار الوجودية. وذلك طبيعي جداً ما دام مرجع الإنسان في معاشه إلى ذاته وما دام هو نفسه ابن نفسه ووليد أفعاله. ويقول سارتر (عندما نقول عن الانسال أنه مسئول عنه نفسه، لسنا نعني أن الإنسان مسئول عن شخصيته المحددة ولكننا نعني أنه مسئول عن كل الناس.) وهذه هي النتيجة الطبيعية لما سبق أن قلناه. فالإنسان تبعاً لما يأتيه في وجوده من الأفعال الحرة مسئول عن العالم وعن نفسه طالما كان طريقة من طرق الوجود، وأنموذجاً من نماذج الكينونة والمسئولية هنا مأخوذة بمعناها العادي في الشعور بأنه الفرد يؤلف لحادثة أو لموضوع من غير اعتراض عليه ومن غير تعد على حريته. فما يحدث لي - كما يقول سارتر. . . يحدث لي عن نفسي ويستحيل أن يجري في الأرض فعل غير إنساني مهما كان الأمر. والمسئولية تأتي من هذه الناحية، ناحية الإنسانية التي تتصف بها الأفعال والوقائع وماجريات الأمور، ومن هنا لم يكن هناك محل للاعتذار أو الأسف أو الشكوى بعد إتيان أمر من الأمور.
إن فسلفة في الأخلاق على هذا النحو لا تغلق الباب أمام الرجاء ولا تصدر عن اليأس كما قال الكثيرون عنها، وإنما على العكس من هذا توجد فسحة للأمل وتضع غير قليل من الإيمان والقوة في نفس الإنسان كيما يفعل وكيما يأتي فعله عن عقيدة وحساب ويكفي أن يعلم الإنسان عن نفسه بأنه حر وأنه بهذه الحرية يقرر وجوده الخاص كما يحقق وجود الإنسانية جمعاء، وأنه يبدأ من لا شيء ليصير شيئاً في النهاية؛ حتى يدرك خطورة موقفه حتى يدرك خطورة موقفه وحتى يعمل بكل قواه في العالم المضطرب الغامض من أجل