إنه عرف في أول أمره على أنه أداة لتعليم مواد ثلاث: هي القراءة والكتابة والحساب، وهذا غرض متواضع لا يتفق مع جلال التربية والتعليم، إذ الأحرى بمثل هذا الغرض أن تكون أداته أقل قيمة من التربية والتعليم. فإذا كانت التربية والتعليم لا غرض لهما سوى أن يكونا أداة لتعليم هذه المواد الثلاث فما أقل شأنهما واسوأ حظهما، ثم قال:
إن الغرض من التعليم أجل وأشرف من هذا بكثير، والذي يجب أن يهدف إليه التعليم هو: الفلسفة وعلم النفس والسياسة وعلم وظائف الأعضاء، لأن هذه الأشياء هي أساس حياة الإنسان وسعادته، فعلى مقدار فهمه لها ومعرفة دقائقها تتوقف سعادته في حياته ويكون نفعه للإنسانية، فيجب ألا تكون حياة الإنسان هباء في هباء، لأنه لا يستطيع أن يتصل بالآخرين اتصالاً وثيقاً وأن يحيا حياة فياضة بالمعاني السامية والغايات النبيلة إلا إذا فهم الجماعة الإنسانية، والأحوال الاجتماعية فهماً صحيحاً، ولا يتأنى له ذلك إلا إذا كان له قسط وافر من هذه العلوم التي يجب أن تكون الغرض من التعليم.
ولكن هذا لم يرق مندوب (المريخ) فاعترض قائلاً: ما هي الفلسفة وما هو علم النفس وما هي الفائدة المرجوة منهما حتى يكونا الغرض من التعليم؟
ولكني أرى أن التعليم والتربية، أسمى من أن يكونا أداة لمثل هذه المواد، بل يجب أن يوضع التعليم للوطنية والأخلاق، إذ أنهما أساس الحياة. ويصر مندوب المريخ على أن يكون عملياً في كل شيء يقرره، فتراه يرفض تدريس الجغرافية مثلاً، لأن المدارس تدرس الجغرافية من أول نشأتها ولم تعد على العالم بشيء إنه يريد أن يستقصي الأمر بطريقة علمية أكثر من ذلك فائدة وأدوم ثباتاً، حتى أنه قال. لماذا ندرس الجغرافية! وماذا يضيرنا لو لم ندرسها. وغير ذلك من مثل هذا التساؤل عن كثير من المواد الدراسية.
أما مندوب (المشتري) فانه يعقد مقارنة بين تربية الأطفال وبين الصناعات الأخرى من حيث قدرة الأطفال والنوع الذي يناسبهم من التعليم، فقال: لقد أصبح العلم متدخلا في جميع مشروعاتنا وأعمالنا، بمعنى أننا لا نقدم على عمل ولا نخطو خطوة في حياتنا ما لم يكن العلم رائدنا ومرشدنا، ففي مصنع الأحذية مثلاً، نختبر الجلود ونبحثها بالطرق العلمية لنعرف مصادرها ولنرى من أي نوع هي، وهل هي من النوع الخشن أو الجيد؟ وهل