فنحن الآن على ميقات الذكرى من رجل أحيا تراث العربية وشدا بأمجادها، حاكى في قصيده الأولى من أهل البيان الصحيح وكان من الرعيل الأول الذين ظفر بهم مجمع فؤاد الأول للغة العربية وكان لي حظ معرفة الرجل عن كثب حين كنت في عداد موظفي المجمع، فأدركت مبلغ غيرته على العربية وثورته من أجلها إذ كان لا يطيق مبدأ الترخص في ألفاظها أو في نحوها أو في صرفها.
وكان - رحمه الله - على شدة بصره باللغة وفهمه لآدابها شديد التواضع في العلم يبحث عن المعرفة في مواطنها، ويأخذ الحكمة من كل لسان، يبدو له الرأي الخمير فيعرضه علينا نحن تلاميذه الصغار. ويناقشنا فيه ويستدرجنا إلى القول؛ حتى تتأدى له الحقيقة حرة خالصة من كل شيب!
نقول إننا على ميقات الذكرى الأولى لهذا العالم الكبير، فهل فعلنا شيئاً لتخليد ذكراه، بل هل صنعنا شيئاً حتى لا ننساه؟ جواب هذا عند المجمع اللغوي وعند الذين تهدوا بهدي الجارم وتأدبوا بأدبه.
ولقد كنت منذ أيام أزور مدينة رشيد مسقط رأس الشاعر العظيم، فإذا هي كابية حزينة ذهب رواؤها القديم وعفى الزمان على تليدها وطارفها وبقيت بلدة تعيش على هامش الحياة. وسألت طائفة من المثقفين من أهل رشيد: أما زلتم تذكرون الجارم الذي خلد اسم مدينتكم في شعره وتحدث عن نخيلها وبحرها ونيلها. فقالوا لم نعد نذكر من أمجاد رشيد سوى اسم الجارم، وليس لنا من العزاء إلا أن رشيداً ذكرت في شعر الجارم بعد أن ذوت وأهملت إهمالاً لم تنحط إليه مدينة من مدائن مصر جميعاً.
وقيل لي إن طائفة من أعيان المدينة اقترحوا أن يسمى شارع (السوق) باسم (علي بك جارم) فأهمل مقترحهم. ولعل مرد ذلك أن أهل العلم والأدب أمست بضاعتهم مزجاة لا تستحق الخلود ولا تصبر على أحداث الزمان؟
كتاب الدرة لابن البيطار
أخرج الأستاذ محمد بعد الله الغزالي أمين مكتبة منطقة الإسكندرية التعليمية كتاب (الدرة البهية، في منافع الأبدان الإنسانية) لمؤلفه ضياء الدين أبي محمد عبد الله بن البيطار المالقي الأندلسي المتوفى سنة ٦٤٦ من الهجرة.