أقول؛ وهذا الحديث لم ينفرد به ابن عمر، بل جاء في صحيح الإمام مسلم عن أنس بن مالك قال: كنا مع عمر بين مكة والمدينة فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر، فرأيته، وليس أحد تزعم أنه رآه غيري. قال: فجعلت أقول لعمر أما تراه؟ فجعل لا يراه. قال: يقول عمر سأراه وأنا مستلق على فراشي. ثم أنشأ يحدثنا عن أهل بدر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس. يقول هذا مصرع فلان غداً إن شاء الله. قال: فقال عمر فو الذي بعثه بالحق، ما أخطئوا الحدود التي حد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فجعلوا في بئر بعضهم على بعض. فأنطلق رسول الله عليه وآله وسلم حتى انتهى إليهم فقال (يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم الله ورسوله حقاً؟ قال عمر: يا رسول الله! كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها؟ قال (ما انتم بأسمع لما أقول منهم، غير انهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئاً)
وجاء في صحيح مسلم أيضاً عن انس بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترك قتلى بدر ثلاثاً، ثم أتاهم، فقام عليهم، فناداهم، فقال:(يا أبا جهل بن هشام، ويا أمية بن خلف، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني قد وجدتم ما وعدني ربكم حقاً) فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: يا رسول الله! كيف يسمعوا (كذا) وإني يجيبوا (كذا) وقد جيفوا؟ قال (والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما قول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا. ثم أمر بهم فسحبوا فألقوا قليب بدر.
قال الحافظ في الفتح: ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك، بل وافقهما أبو طلحة. وللطبراني في حديث بن مسعود مثله بإسناد صحيح. ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه، وفيه قالوا يا رسول الله! وهل يسمعون؟ قال: (يسمعون كما تسمعون ولكن لا يجيبون). وفي حديث ابن مسعود (ولكنهم اليوم لا يجيبون).
ومن الغريب إن في المغازي لأبن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبى طلحة. وفيه (ما انتم بأسمع لما أقول منهم) وأخرجه أحمد بإسناد حسن. فكأنها رجعت عن الإنكار لنا تبث عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة.
وهذا الذي دعا معالي الدكتور طه حسين بك أن يدع رواية عائشة ويأخذ برواية هؤلاء