يبكى ويتألم حتى ليجعله يلمس دموعه لمس اليد ويحس بناره تتأجج من خلال ألفاظه.
لقد مازجت شاعرية ولي الدين يكن نفساً عزيزة حساسة وقلباً شريفاً رقيقاً فكان إذا تأثرت نفسه وخفق فؤاده قال الشعر فيرسله دون أتعاب فكر ولا إجهاد قريحة. وقد ظهرت خصائص هذه الشاعرية في امتداد نفس القول لديه امتداداً لم يدرك فيه عاطفته المندفعة ضعف ولا فتور، وفي استقصاء الموضوع استقصاء يشمل جميع نواحيه في روعة الأسلوب الذي يهز المشاعر هزاً عنيفاً ويترك في النفوس أثراً عميقاً.
هذا قليل من كثير وغيض من فيض عن ولي الدين الشاعر الكبير. أما ولي الدين الحر الشريف المخلص بين أشرف الأحرار فلا تقل منزلته عن منزلة ذاك.
كان حراً في تفكيره وأقواله. كان في طليعة أحرار الشرق متعطشاً إلى الحرية والاستقلال والانعتاق من القيود التي ثقلت عليه فقد صهر أغلال التقيد فكسرها ورفع فوقها علم الاستقلال الفكري عالياً خفاقاً فكان لا يقول إلا ما يوحيه إليه يقينه ووجدانه حتى كان كالشاعر الملك الضليل أمرئ القيس لا يقول الشعر رهبة ولا رغبة فأمكنه أن يباهي فيقول:
إذم فلا أخشى عقاباً يصيبني ... وامدح لا أرجو بذاك ثواباً
وهكذا كان شأنه في كل ما كتب ونظم وهذا ما كان يريد أن يكون لسان حال الغير قال (لا أبالي الثناء ولا أبالي الهجاء وإنما أبالي أن يصدق في أحدهما) ولطالما أضرت حريته هذه بمصلحته بين قومه بل وبين عشيرته كما يعرف ذلك معاصروه. ولو شاء ولي الدين أن يضحي ولو بالقليل من حرية رأيه واستقلاله الفكري لكان له شأن كبير في تركيا أولاً وفي مصر ثانياً؛ ولكنه أثر على كل ذلك أن يعيش حراً طليقاً فيقول:
وأعتلى كرسي مستكبرا ... كالملك فوق العرش إذ يعتلى
فكان جزاؤه على ضفاف البسفور النفي سبع سنوات؛ وكان جزاؤه على ضفاف النيل أن يستكن في داره منسياً أحياناً من أقرب الناس إليه ولكنه لم يطأطأ رأساً ولم يحن ظهراً ولم يحد قيد شعرة عن مبدئه وسنته
وقلما تخلو قصيدة من روائعه أو صفحة من كتاباته عن مثل هذا الإباء المجسم وتلك الأنفة العالية. والحقيقة أنه كان حراً في سياسته كما كان حراً في كتابته.