الشيطان إلى الغواية والخطيئة، وراحا يأكلان من الثمرة المحرمة، والعجوز على مقربة منهما منصرفة إلى صلاتها وأورادها وعبادتها، تدعو لهما وتبارك حياتهما، والنار حولها قد التهمت الأخضر واليابس وقد أحرقت أعز ما عند حفيدتها من طهر، ودمرت القوانين السماوية يد الشيطان الرجيم، وعلى أصوات آي الذكر الحكيم، تنبعث صلاة عميقة من روح العجوز إلى الله.
ومرت الأيام، فشعرت الفتاة بشيء يتحرك في أحشائها، ففاتحت خالها الشاب الأرعن فلم يفهم شيئاً ولم يعنها على فهم ما غمض عليها، ولعله لا يعرف. . . واستمر دولاب الزمن في دورانه فكثر الحنين وظهرت أعراض الحمل. . . وتنبهت العجوز بعد فوات الوقت، ولم يكن بد من ظهور الفضيحة، فحملت الفتاة إلى المستشفى وهناك وضعت طفلة.
واتصل بعلم الأم ذلك الإثم، فجن جنونها، وخولط عقلها، فلطمت وجهها، وهي في إرسال كريمتها إلى جدتها كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولكن بصيصاً من الإيمان العميق بالله وبالقضاء والقدر حالاً بينها وبين الموت. فأخذت طريقها إلى أمها وأخيها وبودها أن تسحقهما سحقاً. لقد انقلبت إلى وحش كاسر تريد الثأر لكرامة ابنتها! ولكن ممن! من أخيها - نعم من أعز إنسان لديها! تريد أن تنتأر لكرامتها الجريحة، والعار الذي لم يسبق له مثيل، والذي سيكون نصيب ابنتها البريئة الطاهرة في الحياة. لكنها لم تستطع أن تفعل شيئاً أكثر من وضع الطفلة في ملجأ والهرب بابنتها إلى منزلها لتكون تحت جناحيها.
ومرت الأيام وأحست الفتاة بفداحة الإثم الذي اقترفته فكرهت الحياة ونقمت على البشر، أظلمت الدنيا في عينيها فما عادت ترى غير أطياف سود من البؤس والشقاء وما عادت تشعر إلا بتلك الجراح العميقة في قلبها تلك الجراح التي لا تميت ولكنها لا تبرأ منها على حد تعبير اللورد بايرون في ملحمته (الفارس هارولد).
وتقدم لخطبتها شاب متعلم رأى أطياف سعادته تنعكس في عينيها الساحرتين، فأحبها حباً مبرحاً عنيفاً - ولم يكن يعرف شيئاً عن أحزانها ومتاعب روحها وراح يمني النفس بها، وبالسعادة معها. . كان ذلك ما يضطرم به قلب الشاب العاشق الذي كان يزور أمها، ولكن الفتاة وهي ترى حبه العميق بادياً في عنايته بها، وفي سؤاله عنها وفي نظراته لها، وفي رغبته فيها - كانت تعيش في عالم بعيد، لم تحس بوجوده في قلبها، الذي حطمته الآلام