كانت كل هذه القوى مجتمعة أحيانا ومتفرقة أحيانا، تصده، وتتحداه، وتنوشه، ولكنه كافحها جميعاً متفرقة ومجتمعة. وكانت خصومات هذه القوى للشيخ لا تخلو، في كثير من الأوقات، من العنف والقسوة والإسفاف، ولكنه غالبها جميعاً مغالبة الرجال. وهو، هنا، قد نجح.
أما نجاح دعوته فأعتقد أن دعوته الصحفية قد نجحت، من ناحية الأسلوب والمستوى نجاحاً كبيراً، ودعوته السياسية نجحت من الناحية النظرية، وكذلك دعوته لتنبيه الشعب إلى حقوقه. أما دعوته لإصلاح الأزهر وإصلاح العقيدة فقد نجحت خارج الأزهر أكثر مما نجحت في داخله.
لقد قال حافظ إبراهيم، يرحمه الله، في رثائه البارع للأستاذ الإمام هذا البيت: -
زرعت لنا زرعاً، فأخرج شطأه، ... وبنت، ولما نجتن الثمرات
وحقاً مات الشيخ ولما يجتن ثمرات كفاحه، وأعتقد أننا - بعد هذه السنين الخمس والأربعين من وفاته - لما تجتن ما ينتظر من ثمرات، ولعلنا نجني في المستقبل أكثر مما جنينا من الثمرات التي غرس بذورها الشيخ الإمام.
هذا الرجل المخلص، الشجاع، الجلد، المتفاني، الذي قضى عمره كله يكافح الجبروت والطغيان والفساد والجهل، مات فقيراً جهد الفقر. ولا يمكن، في وطننا، أن يموت رجل هذه صفاته، إلا فقيراً. وعاشت زوجه من بعده معيشة ضنكا، لم يرفه عنها في ختام حياتها سوى تلميذه الوفي أستاذنا المرحوم الشيخ مصطفى عبد الرزاق، رحمه الله، ورحم أستاذه الإمام.