وأنت التي غنيتني الشعر خالداً ... ووشحت أحزاني بآياتك الغر
وصيرت أيامي ظلالاً رخية ... وقد كنت منها في محول وفي فقر
أعيش من الإبداع جذلان بالمنى ... وأحياء من الإلهام في نائل غمر
كأني هادنت الردى وأمنته ... فأمرع كرمي واستساغ الطلى ثغري
ربيع غنى بالأغاويه والشذا ... يميس من الإدلال باليانع النضر
ونهر من الآمال يجري بخاطري ... وفيض من النعماء في أضلعي يسرى
غبرنا على الدنيا تروعنا النوى ... كأنا خلقنا للعذاب وللذعر
فإن نحن جزناها صحاحا من الجوى ... فما حن مأسور إلى ربقة الأسر
نهارك يا دنيا كتاب محجب ... وليلك يا أخرى مطاف من البشر
ومن خبر الأفراح في عالم الرؤى ... أقام عليها لا يهنه بالزجر
بنفسي بقايا من حنين وغبطة ... تلوح كلمع الضوء في صفحة النهر
تدافعت الأمواه فيه كأنها ... عرائس أفكار مللن من الصبر
هنا الفرحة العظمى فكل لذاذة ... سوى لذة الإلهام تمضي مع العمر
فإن تتمن الخلد أو تبتغ العلا ... فعش للندى والبر في السر والجهر
ألم تر أن الله صاغك شاعرا ... وأقنع من جاراك بالبذل والفقر
وخلت الغنى لهواً لقوم تناهبوا ... وبدد أرباب القساوة والكبر
وما الأمر في الأحقاب إلا مفكر ... يظل بآيات النهي خالد الذكر
سلام على الدنيا فما هي نغية ... إذا أنت لم تشرب رحيق الهوى البكر
ولم نحن للإلهام والحق والعلى ... منيراً سماء الفكر كالكوكب الدري
فما أنت إلا صورة الخير في الورى ... تميل إلى عرف وتعرض عن نكر
وترسم للدنيا سبيلاً إلى الهدى ... لعل جمال الروح يقوى على الشر
تزينك أخلاق حسان كأنها ... خلاصة أزهار العدالة والطهر
يعيش بنو الدنيا بناب ومخلب ... وأنت بلا سهم يراش ولا ظفر
يحوطك أرواح لطاف حبيبة ... فمن حلل بيض إلى حلل خضر
فليت الفتى يلقي بأحلامه الغنى ... وتكسب من ألحانه أعظم الأجر