ومن مميزات التشبيه القرآني أيضاً أن المشبه قد يكون واحداً ويشبه بأمرين أو أكثر، لمحا صلة تربط بين هذا الأمر وما يشبهه، تثبيتاً للفكرة في النفس، أو لمحا لها من عدة زوايا، ومن ذلك مثلاً تصوير حيرة المنافقين واضطراب أمرهم، فإن هذه الحيرة يشتد تصورها لدى النفس إذا هي استحضرت صورة هذا الساري قد أوقد ناراً تضئ طريقة فعرف أين يمشي ثم لم يلبث أن ذهب الضوء، وشمل المكان ظلام دامس، لا يدري السائر فيه أين يضع قدمه، ولا كيف يأخذ سبيله، فهو يتخبط ولا يمشي خطوة حتى يرتد خطوات. أو إذا استحضرت صورة هذا السائر تحت صيب من المطر قد صحبه ظلمات ورعد وبرق، أما الرعد فمتناه في الشدة إلى درجة أنه يود انقاءه بوضع أصابعه إذا استطاع في أذنه؛ وأما البرق فيكاد يخطف البصر، وأما الظلمات المتراكمة فتحول بين السائر وبين الاهتداء إلى السبيل. وتجد تعدد هذا التشبه في قوله سبحانه:(مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً. . . أو كصيب من السماء. . .). ومن النظر إلى الفكرة من عدة زوايا أنه حينا ينظر إلى أعمال الكافرين من ناحية أنها لا أثر لها ولا نتيجة فيرد إلى الذهن حينئذ هذا الرماد الدقيق لا يقوى على البقاء أمام ريح شديدة لا تهدأ لأنها في يوم عاصف، ألا ترى هذه الريح كفيلة بتبديد ذرات هذا الغبار شذر مذر، وأنها لا تبقي عليه ولا تذر، وكذلك أعمال الكافرين، لا تلبث أن تهب عليها ريح الكفر حتى تبددها ولا تبقي عليها، وللتعبير عن ذلك جاء قوله سبحانه:(مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد). وحيناً ينظر إليها من ناحية أنها تغر أصحابها فيظنونها نافعة لهم، مجدية عليهم، حتى إذا جاءوا يوم القيامة لم يجدوا شيئاً، ألا ترى في السراب هذا الأمل المطمع ذا النهاية المؤيسة ولأداء هذا المعنى قال تعالى:(والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا). وحينا ينظر إليها من ناحية ما يلم بصاحبها من اضطراب وفزع، عندما يجد آماله في أعماله قد انهارت. ألا تظلم الدنيا أمام عينيه ويتزلزل كيانه ويصبح كهذا الذي اكتنفه الظلام في بحر قد تلاطمت أمواجه، وأطبقت ظلمة السحاب على ظلمة الأمواج؟ ألا يشعر هذا الرجل بمصيره اليائس، وهلاكه المحتوم؟ ألا يصور لك ذلك صورة هؤلاء الكفار عندما يجيئون إلى أعمالهم، فلا يجدون لها ثواباً ولا نفعا، ولتصوير ذلك جاء قوله سبحانه: