كتب الكاتب الكبير بول موران فصلاً ممتعاً عن الحكاية فلاحظ أنها تمزج بالقصة وحمل على القائلين بأن الأقصوصة الطويلة إنما هي قصة من النوع الطويل، ولكنها أقل منها حجماً. ويرى بول موران أن هناك فرقاً جوهرياً بين النوعين، فالأقصوصة الطويلة صغيرة الحجم حقاً، ولكنها تخالف القصة من حيث الجوهر؛ ذلك أن القصة العادية لا يحدها حجم، وقد تطول أو تقصر فلا يغير ذلك شيئاً من موضوعها، ولكن حجم الأقصوصة الطويلة يفرضه موضوعها ذاته. وفي وسعك أن تترك الكتابة في القصة إلى حين ثم تستأنفها دون حرج، ولكن الأقصوصة إذا تركت على هذا النحو تصدع بناؤها
ويجب ألا تمزج الأقصوصة بالتصوير الموجز وقيمتها قبل كل شئ في نوعها، فهي عمل معتنى به وليست عملاً سهلاً سريعاً؛ أما قيمة القصة فهي ما تخلعه عليها مواهب كاتبها، وتخضع الأقصوصة لقوانينها الخاصة، وهي لم تتغير منذ عهد الأحياء. وموضوعها دائماً هو أن تعزل شخصية أو عملاً، وأن تجرده من ملحقاته، وأن تخرجه من الحياة. أما القصة العادية (الطويلة) فتحملنا إلى أفق خلقي محض، ولهذا كان الإنكليزي قصصياً (روائياً) مجيداً، أما الفرنسي فأنه لبراعته في التحليل يجيد كتابة الأقصوصة.
وقد تستطيع أن تكتب قصة طويلة دون التزام الذوق الحسن، أو دون موهبة وعبقرية، ولكن الأقصوصة الحسنة لا يمكن أن تكتب إلا طبقاً لأصول الفن؛ فللكاتب الذي له مواهب فنية لا يستطيع مطلقاً أن يكتب أقصوصة ذات شأن.
بين الدوتشي وجبرائيل دانونزيو
يقيم دانونزيو شاعر إيطاليا الأكبر منذ أعوام في قصره في (فتوريالي) على مقربة من بحيرة لوجانو، وقد ذاعت في العهد الأخير إشاعات كثيرة عن علائقه مع زعيم إيطاليا السنيور موسوليني، حتى قيل بأن الشاعر معتقل في قصره في الواقع وأنه لا يسمح له بالانتقال منه أو استقبال أحد فيه إلا بإذن خاص، ولكن الظاهر أن هذه الإشاعات حديث خرافة، وأن الصداقة التي توثقت بين بطل فيومي (دانونزيو) والدوتشي (موسوليني) لم تزعزها الحوادث. وقد زار السنيور موسوليني أخيراً صديقه الشاعر الكبير في قصره في فتوريالي زيارة خاصة مجردة عن كل صبغة رسمية، واستقبله دانونزيو بغبطة وحماسة،