للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغيره، ولم يكن المؤلف يعني إلا بشرح القليل منها، لأنه لم يؤلف كتابه لذلك وإنما ألفه لتلك الأغراض السابقة.

وللأستاذ محمود مصطفى في شرحه طريقة تليق بوظيفته الجامعية، فهو يعني فيه بشرح المعاني الأصلية للكلمات وما خرجت إليه من مجاز أو كناية، ثم يستخرج من ذلك معنى البيت وينقده إذا رأى أبا تمام قد خرج به عن الجادة، فتكلف في الصنعة، أو ركب الشطط في مجازاته؛ وقد يجعل من نقده إطراءه إذا جمع موجبات الحسن في شعره، وهي كثيرة فيه، ولم يفته مع هذا أن ينقل من آراء الأقدمين الذين نظروا في شعر أبي تمام من الآمدي والجرجاني وغيرهما، ثم يعقب على ذلك برأيه فيوافقهم تارة فيما رأوه في شعره، ويخالفهم تارة أخرى فيه.

وقد جلونا بهذا كتاب هبة الأيام للقراء، وعرفناهم قيمة عمل الأستاذ محمود مصطفى فيه، وأدينا بذلك حقه علينا كأثر من أحسن الآثار الأدبية، وبقي لنا عليه أشياء أردنا للزمالة إلا نعرض لها، وأراد الأستاذ محمود إلا أن نطلق لقلمنا العنان مقرظين أو ناقدين، وإننا نكتفي عما عندنا بهذين النقدين

فالأستاذ محمود في قول أبي تمام:

وإذا مشت تركت بصدرك ضعف ما ... بحليها من كثرة الوسواس

يرى فيه استخداماً طريفاً حسنا، لأن أمثلته قليلة في العربية، والاستخدام عنده في أن الوسواس يطلق على صوت الحلي، وعلى حديث النفس بما لا خير فيه، وقد أراد المعنى الأول في كلمة الوسواس الظاهرة في البيت، وأراد الثاني في الموصوف المحذوف في قوله (ضعف ما)، ولا شك أن هذا ليس من الاستخدام في شيء، وليرجع الأستاذ إلى تعريف الاستخدام وأمثلته في كتب البلاغة، فسيرى أن هذا لا يشمله تعريفه، ولا يشابه أمثلته. وكذلك نخالف الأستاذ محموداً فيما صنعه في قول أبي تمام:

أزرين باْلمُرْدِ الغطارف بُدَّناً ... غيداً ألفتهمُ زماناً غيدا

إذ يريد أبو تمام أن يفضل الجميلات من النساء على أرباب الجمال من أولئك الغلمان الذين افتنن بهم الشعراء، وتغزلوا بجمالهم في عصره وقبل عصره، فلا يرضي هذا صاحبنا، ويقول إنه لم يؤلف أن يقال إن المرأة الجميلة تزري بالرجل الجميل، مع أن أبا تمام لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>