منها وقد ظهرت آثار هذا الاتجاه في قانون إصلاح الأزهر الذي صدر عام ١٩٣٠ في عهد المرحوم الشيخ الأحمدي الظواهري؛ وقد نظم هذا القانون الأزهر الجامعي، فقسمه إلى كليات ومعاهد، وأنشأ أقسام الدراسات العليا بشتى فروعها وعدل عام ١٩٣٦ وما والاه تعديلات لأملته الضرورة والتجربة والرغبة في خلق الروح في الأزهر.
سمى هذا القانون أقسام الدراسات العليا؛ أقسام تخصص المادة، ومنها ينال المتخرج شهادة العالمية من درجة أستاذ، وهي أرفع شهادات الأزهر العلمية، وتعادل الدكتوراه الممتازة، وتدرس بها علوم الشريعة وأصول الدين والقرآن والحديث والبلاغة والأدب واللغة والفلسفة والتاريخ، ومدة الدراسة بها لا تقل عن ست سنوات بعد انتهاء دراسة الكلية، وكان طلبتها يختارون من بين أوائل المتخرجين.
واختير للتدريس بهذه الأقسام أئمة العلماء والمفكرين في الأزهر ومصر، وقد حققوا نهضة فكرية وعلمية جديرة بالإشارة في تاريخ الأزهر الحديث. كما كانت امتحانات أقسام هذه الدراسات، ومناقشات رسائل الخريجين مواسم خالدة للعلم والأدب في الأزهر؛ وكان يشرف عليها أفذاذ العلماء والأدباء والمفكرين، ومن بينهم المراغي ولطفي السيد ومأمون الشناوي واللبان وحمروش وعبد المجيد سليم وعرفة وشلتوت والجارم وسواهم. ورسائل الخريجين من أقسام العالمية درجة أستاذ فيها جهد كبير وألوان جديدة من البحث والتحليل، وهي أوضح اثر لنهضة الأزهر العلمية الحديثة وقد طبع بعض قليل منها. كما حمل خريجوه بجدارة مناصب التدريس في كلياته ومعاهده؛ ولكثير منهم نشاط علمي خصب، وإنتاج حافل في الأدب والشريعة والفلسفة والتاريخ والعقائد.
ومن سوء الحظ ألا يهضم الأزهر الجامعي نظام الدراسات العليا، وأن يحاربها من وراء أستار وأن يعطل الدراسة بأقسامها من عام ١٩٤١ حتى الآن
وكان اعتزاز الأزهر بهذه الدراسات ضئيلا محدودا، تجلى في طبع رسالتين أو ثلاث من رسائل خريجيها، وفي عرض بعضها في المعرض الزراعي الأخير ولا يزال جل هذه الرسائل مخلوطا في مكتبات الكليات الأزهرية، وعددها يقارب المائتين. فمن مبلغ الأزهر بأن نظامه الجامعي وازدهاره العلمي أن يكون لهما كيان إلا إذا عادت من جديد هذه الدراسات العليا فيه، تؤدى رسالتها العظيمة في خدمة الدين والثقافة، وتجديد مناهج البحث