وبرزت عناية العرب بسباق الخيل وابتدعوا المصطلحات الوفيرة له منها المصلي والمجلي كما سموا الأخير باسم الفسكل وأجازوا الحائز لقصب السبق ومنحوه نوط الجدارة والصرة وهي البدرة من المال. وقال الشاعر يصف الخيل في السباق:
ترى ذا السبق والمسبوق منها ... كما بسطت أناملها اليدان
وبلغ من عنايتهم بالتشجيع وإفساح المجال أمام الضعيف أن قالوا:(وعند مستبق الزود تسبق العرجاء) ليكون باب الأمل مفتوحا على مصراعيه، وافتخروا بنشأتهم على ظهور الخيل فقالوا:
كأنهم في ظهور الخيل نبت ربي ... من شدة الحزم لا من شدة الحزم
فكانوا حقاً وصدقا رهبان الليل وفرسان النهار.
وتعمقوا في دراسة الخيل من كل وجه فدرسوا أعضاءها وأطوار حياتها وطباعها وألوانها وفصائلها وتناسلها وألفوا في ذلك الموسوعات التي من أشهرها كتاب (جر الذيل في علم الخيل) واحتفل بها القرآن الكريم وأقسم بها رب العزة فقال في كتابه العزيز (والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا، فالمغريات صبحا، فأثرن به نقعا، فوسطن به جمعا) وأمر الله بإرهاب العدو بكل ما يستطاع من قوة (ومن رباط الخيل) وما أبلغ النبي العربي بقوله (يا خيل الله اركبي) وليس بعجيب أن يأمر النبي المسلمين بتربية الخيل وإعدادها للجهاد نهيا عن اتخاذها لمجرد الزينة والتفاخر قائلا بعد ذلك (الخير تحت أقدام الخيل) وقد قرن المتنبي عزة الفارس بفضل الكتاب فقال:
أعز مكان في الدنى سرج سابح ... وخير جليس في الزمان كتاب
وكان العرب كذلك أسبق الشعوب إلى حركة الكشف فهم المشهورون بقص الأثر والتعرف على الخصائص الدقيقة لصاحبه بمجرد النظر إلى ما خلفه قدمه على الرمل السافي أو صفاة الجبل فيعرفون إذا كان رجلا أو امرأة، عذراء أو حاملا. وكذلك هم المشهورون بالنار وإشعالها بالليل لهداية الضال وإكرام الضيف وتحدي العدو فقالوا (ناركم منار غيركم) وجاء في الحديث الشريف (إن الرائد لا يكذب أهله.) وكانوا حراصا على تنشئة فتيانهم على المجازفة والمخاطرة فكان منهم أسود البحار الذين قهرت عزائمهم كل قوة وسادت تعاليمهم كل مصر؛ وحتى نعتهم رسول الله بأنهم (الملوك على الأسرة) فذلت لهم