أضعت عمرك في الأوهام تجرعها ... كأسا مزاج طلاها الشهد والصاب
ما الزهر والخمر فيها غير مائدة ... ألقى عليها ظلال الحزن مرتاب
ظننتها أنت جنات منضرة ... وهي الخرائب فيها البوم نعاب
خدعت فيها بألوان مزيفة ... وسوف تخدع أجيال وأعقاب
طوت مجاليك واغتالت مشاهدها ... كطائر الأيك قد أصماه نشاب
فنمت والحلم الزاهي على مقل ... غشى عليها ظلال النور إظباب
ومت والنغمة الكبرى على شفة ... لما يتح لصداها العذاب إعراب. . .
الليل معتكر، والموج صخاب ... وزورق الحلم في الهوجاء هياب
ملاحه بعد طول التيه قد عقدت ... أجفانه سنة أطيافها آبوا
موسد لم يزحزح جفنه ألم ... ولم يسهده إظناء وإتعاب
ألقى المجاديف وهنى والشراع لقى ... يطويه من سطوات الريح جذاب
كم صارع الموج جياشا ومضطربا ... ولم يزعزعه إعصار وإرهاب
منقبا عن جمال الكون تفتنه ... جداول وخميلات وأعشاب
وفتنة من جفون الغيد تشرعها ... إلى القلوت - هوى - منهن أهداب
والحسن ينبوع فن ظل يقصده ... من عالم الشعر وراد وشراب
أوحى الخوالد في الدنيا إلى نفر ... تفتحت لهمو في الخلد أبواب. . .
رسام سحر المجالي، أين ريشته ... يفوح منها على القرطاس أطياب؟
كم لوحة من مرائيه منمقة ... فيها من اللمحات الغر خلاب!
قد عطل الموت فنا خالصا غنيت ... به على كرة الأجيال آداب
حملت والصفوة الأحرار ألوية ... خفاقة تتحدى كل من عابوا
للفن ما اهتز من آمالهم وربا ... والفن مذبح قربان ومحراب
تبتلت في جلال الفن أنفسهم ... كما تبتل في المحراب أواب
كل له غاية يسعى ليدركها ... وكم تحقق غايات وآراب. . .!
تشاءم القوم حينا وادعوا خرصا ... أن القريض ثوى إذ مات أقطاب
وأن دولة هذا الفن قد ذهبت. . . ... والشعر لم يتوقف منه دولاب