أضف إلى هذا كله ما بين الرجلين من تقارب في الميول لاستثمار الأموال.
لهذا وضع الكونت كل ثقته في روتشيلد واستخدمه وكيلاً عاما لشؤونه المالية، من باب عرفان الفضل لذويه، فأبدى من المهارة في عمله ما جعله أحدوثة التجار في حي اليهود، وتقاطرت على الأمير طلبات القروض المالية من حكومات الدانمارك وهسي دار مستان وبادن، كما تكاثرت عقود استئجار أفراد شعبه، وهو يقدمهم لإنجلترا كأنهم رءوس من الغنم يدفعها إلى (سلخانة) الحرب الاستعمارية قطيعاً بعد قطيع.
ولم يكن تقديم هذه القطعان البشرية على هذا النحو جرياً وراء انتصار لحق، أو رغبة في اقتسام مغنم، أو مجرد الحب الصافي لأصحاب العيون الزرق، وإنما هو المال ولا شيء سواه.
كانت إنجلترا تستأجر - أو بالأحرى تشتري - قطعان هس كاسل بثمن، والأمير بدوره يدفع لهم أو لعائلاتهم ثمناً بخساً في حالة الحرب، أما المصابون بجراح أو عاهات تقعدهم عن كسب العيش؛ أما الذين تودي بهم الحرب إلى دار الفناء، فإن إنجلترا تدفع عنهم للكونت التعويضات المناسبة، التي يعود معظمها عليه وعلى وكيل ماليته بالذهب الغزير.
وليس في هذا أي غضاضة ما دامت المقاييس المعاصرة تبررها ولا تستنكرها، فإنما هو كسب تجاري، والمكسب هو الفرق بين ثمن البيع وثمن الشراء، وليس يهم بعد ذلك إذا كانت السلعة جماداً أو نباتاً أو حيواناً أو إنساناً فهي تجارة تؤدي إلى ربح، وهذا هو المطلوب.
وتجارة كهذه لا بد أن تدر المال الكثير وتجلب الثروة الضخمة، مما جعل للرجلين صفة ممتازة عند الحكومات الأجنبية التي تتعامل معهما، ولا سيما تلك السمعة الطيبة التي ظفروا بها في جميع الأوساط من حسن المعاملة، والوفاء بالتعهدات، وتنفيذ الشروط المتفق عليها، بالشرف والأمانة، ومن غير غش أو تزوير.
أما المحاربون وعائلاتهم فليس لهم أن ينبسوا ببنت شفة ما دام أميرهم هو السيد المطاع الذي امتلك أرواحهم وأجسادهم يوم امتلك الأرض بما عليها ومن عليها، فهو يبيع فيهم ويشتري، كيف يشاء ومع من يشاء، فإذا أعطاهم رواتبهم، ولذويهم التعويضات بعد موتهم، فذلك فضل منه.