للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وتروي باريس الأعاجيب عما يحدث في حفلات الوجودية وهي (أعاجيب) لا يمكن أن تروى لا في الشرق فحسب بل حتى في مواخير (مونمرتر) التي تتأذى برغم فجورها المشهور لما يحدث في حفلات الوجوديين.

ومفهوم مثل هذا يدعو إلى الخروج على القواعد الفلسفية الصحيحة التي ترتكز عليها القواعد العامة لهذه الفلسفات. ولا يمكن أن تعمر هذه الفلسفة في ظل النظام الذي تسير عليه الحركات والنظم الشعبية في العالم نحو خلق حياة مطمئنة تعيش بظلها الشعوب وتنضوي تحت منارها قوى الطبقات الشعبية العاملة. ومفهوم الحرية الشعبية ليس كمفهوم الحرية الفردية التي تبشر بها الوجودية القائمة على أساس الإشباع الجنسي. وإشباع حيواني مثل هذا قد يجر وراءه البشرية إلى أسوأ المصاير وأحطها قيمة وخلقا. ولعل الوجودية هذه فلسفة تدور حول حورها القاضي بدعوى الانطلاق الذاتي لتلك الغرائز لكي تعمل على الهدم لا البناء، ودعوة مثل هذه قد يكون عمرها أقصر مما قامت عليه أعمار الفلسفات والمذاهب المختلفة الأخرى. ولعل عميد المذهب (جون بول سارتر) سيزيد في استنكاره للوجودية القائمة الآن في فرنسا بالرغم من اعتباره ما يحدث شيئاً لا تقره الوجودية ولا تدعو إليه. والواقع يؤيد أن (جون بول سارتر) هو الوجودية الباريسية بنفسها، ولا غرابة إذا كان الوجوديون لم يفهموا معنى وجودية عميدهم. كما أن عميدهم تجاهل وجوديته ووجوديتهم أيضاً.

أما بقاء هذه الفلسفة قائمة فذلك لا يعني أنها ستعيش، ولا يمكن لها العيش إلا في وسط مثل باريس وأمثالها من المدن الأوربية الخليعة.

هناك فلسفات أخرى تجري وراء استقصاء الحقائق والغوص إلى أغوارها إلا أنها فلسفات لا تخلو من الدوران حول نفسها. . وليست هذه الفلسفات المضطربة إلا نتيجة لشخصيات مضطربة تتخبط في فهم وتقدير الأمور كما أنها تزيد حوار هذه الفلسفات غموضاً وإبهاما. والكل آخذ في طريقه لبلوغ النتائج التي تمخضت عنها الحياة. الحياة التي لابد من أن تلد حياة أخرى وعالماً آخر. وطبيعي أن الحياة سائرة خطوة نحو التقدم لتعقبها خطوة أخرى نحو بلوغ العقل الإنساني أقصى مداه وأبعد ما يهدف إليه.

فما دامت الحياة قد بدأت بالتقدم فسوف تنتهي لا محالة بتقدم يكفل لها ما تصبو إليه بعد أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>