للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حلقات الدرس والتلقين، فهي محجوزة لهم، مخصوصة بهم، يتعلمونها فيما بينهم لأغراض دراسية محضة لا صلة بينها وبين دنيا الواقع ومشهود الناس. فكأن هذا الدين قسمة بين أهليه: فهو للجمهور عقيدة يتعبدون بها وحسب، وهو لبعض الناس شريعة دراسية يتلقاها تلميذ عن أستاذ في مقام التعليم.

فمن شاء أن يكون للدين سلطان على القانون، فليجعل للدين سلطاناً على الأمة في مجموعها، وليبث في نفسيتها العامة مبادئ الشريعة وتعاليمها، حتى يستشعر الناس أن هذا الدستور الديني أنظمة حيوية عملية يقوم على دعائمها صرح المجتمع، وحتى تطمئن العقول والقلوب إلى أن اصطناع هذه الأنظمة لا يصد عن مسايرة الحضارة في ركبها السيار. ويومئذ لا تكون القوانين إلاّ ظلاً لهذا الإيمان والاطمئنان على نحو طبيعي لا تكلف فيه ولا افتئات ولا استكراه.

والدولة في جوهرها يتمثل كيانها في قوانينها التي هي نابعة من عرف الأمة وروحها وخصائصها، والتي هي صورة صادقة لمبلغ ما تنطوي عليه نفسية الأمة من إيمان بالدين، وفهم لمبادئه، واستشعر لتعاليمه، ولكل أمة مقدار كبير أو صغير من ذلك الإيمان والفهم والاستشعار. وإذن لابد أن تتأثر الدولة بقدر ما تتأثر به تلك القوانين، فإنه لا دين بلا دولة، ولا دولة بلا دين.

محمود تيمور

-

<<  <  ج:
ص:  >  >>