وكانت صديقته الحميمة مدام فون كالب تقيم هنالك منذ حين؛ وكان فيلاند يدعوه فوق ذلك للاشتراك معه في تحرير مجلته (مركور)؛ فقصد إلى فيمار في أغسطس سنة ١٧٨٧، وقلبه مفعم بالآمال الكبيرة؛ فاستقبله الدوق بفتور، ولكن مدام فون كالوب استقبلته بعطف مؤثر؛ ورحب به فيلاند الشاعر أيما ترحيب، واشترك معه في تحرير مجلته؛ واشترك أيضاً في تحرير مجلة أخرى في (يينا) وترك مجلته الخاصة؛ واستمر يعاون فيلاند مدى عامين، ثم ترك التحرير معه، ولكنه لبث صديقه الحميم.
وفي سنة ١٧٨٨، أقام شيلر حيناً في قرية (فولكشتات) الهادئة، وهنالك أتم قصته (الهائم)، وتاريخ (ثورة الأراضي السفلى) الذي بدأه من قبل
في ذلك الحين كان جيته في إيطاليا يطوف ربوعها؛ ثم عاد من رحلته في سبتمبر. وكان شيلر يرقب مقدمه ليراه ويتعرف به. وسنحت له هذه الفرصة؛ واجتمع بالشاعر الأكبر وصديقته مدام دي شتاين وهردر في منزل أسرة لنجفلد التي صاهرها شيلر فيما بعد. وهنالك رأى شيلر ذلك الرجل الذي بلغ ذرى المجد، والذي رآه من قبل لأول مرة في حفلة توزيع الإجازات عام تخرجه من المدرسة؛ وكان شيلر يعلق على هذه المقابلة آمالاً كبيرة؛ ولكن جيته استقبله بفتور ظاهر، ولم يكن قد لفت نظره إلى ذلك الحين. وكانت صدمة مؤلمة لشيلر؛ فكتب إلى صديقه كرنر يصف أثر هذا اللقاء في نفسه:(يلوح لي من كل الظروف أن الفكرة السامية لدي عن جيته لم يزعزعها هذا التعارف الشخصي، بيد أني أشك أننا نستطيع أن نتقارب بأي وجه. إن قسماً عظيماً مما يزال يشغلني، ومما زلت أؤمل قد انتهى وقته لديه، والواقع أن كل شخصه يميل إلى ناحية غير التي أميل إليها، وبين وجهات نظرنا اختلاف جوهري. وعلى أي حال فلسنا نستطيع أن نستخلص من هذه المقابلة شيئاً مؤكداً أو ثابتاً. وسوف يعلمنا الزمن ما تبقى). ولما عاد شيلر إلى فيمار من مقامه المنعزل لم يحاول كثيراً أن يرى جيته. بيد أن فتور جيته نحوه لم يدم طويلاً فقد رأى في قصيدته (آلهة اليونان) جمالاً يلفت النظر؛ ويعترف شيلر من جهة أخرى بأنه كان من ذلك الحين يخشى نقد جيته، وأنه كان متأثراً بتلك العاطفة حينما وضع قصيدته (الفنانون) وتأنق في صياغتها.
على أن الذي لا ريب فيه هو أن لقاء الشاعرين - جيته وشيلر - كان من أعظم حوادث