للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولنتبع الآن خطوات هذا الفاتح العربي العظيم الواسعة في الأقطار الشرقية الشاسعة، لنرى خطوات ثابتة متزنة في تسير الجيوش وتوجيهها، ووثبات قوية سريعة في ساحات الكر والإقدام وغزوات موفقة ظافرة في ميادين الغزو والفتح مما يذكرنا بخطوات الإسكندر ووثبات خالد وغزوات نابليون.

تحرك قتيبة لنشر دين الله في الأرض رحمة للعالمين، وكانت هيبته قد سبقته إلى قلوب أعدائه فخرجت إليه ملوك الترك والصغد يسلمون إليه مفاتيح بلادهم ومقاليد أمورهم، تارة يصالحهم على فدية. ويقفون في وجهه يقاومون تارة أخرى فيدخل بلادهم في حرب. عشر سنين قضاها قتيبة غازياً فاتحاً تقف له حركة ولم تبرد له ولم تطفأ لحربه نار.

لم يعجب الحجاج من قتيبة خطة المصالحة التي اتبعها في بعض الممالك فلامه لأنه ليس القصد من الفتح أخذ الفدية وتكديس المال بل الغرض من الفتح نشر الدين وأنقاد المشركين من عماية الضلال. فأخذ قتيبة يستعد لفتح بخاري رغم ما يكلف فتحها من تضحية فاستنصرت بمن حولها من ملوك الترك والصغد فتأهبوا لنصرتها ولكن عين قتيبة اليقظة لمحت إباء بخاري وامتناعها ونصرة جيرانها لها فوئب القوية السريعة فوصل قبل أن يصل أنصارها فألقى عليها الحصار وكانت بين المسلمين وأهل بخاري وأنصارهم معركة حامية الوطيس كان موقف المسلمين فيها غير موقف في أول الأمر فانتفض قتيبة في جيشه انتفاضة الأسد وأخذ يصب ما في نفسه من جرأة وشجاعة وثبات في نفوس أصحابه حتى ذكت الحماسة في الصدور فاندفع المسلمون على خصومهم اندفاع السيل الجارف غير آبهين بالأخطار المدمرة التي تقف أمامهم، فلاح لهم النصر بغرته الجميلة فدخلوا بخاري ظافرين غانمين.

اشتدت شوكة الجيش الإسلامي بهذا النصر المبين وازداد شعور قتيبة بقوته ازدياداً عظيماً وأحس بأن هذه الليونة التي يظهرها له هؤلاء الملوك الذين صالحهم ويصالحهم على الفدية إنما هي فرص يغتنمونها ليتكتلوا ضده وينتقضوا عليه. ولهذا فقد سلك سلوكاً آخر فأخذ يغزو ويفتح ولا يصالح إلا إذا قضت الضرورة الحربية بالصلح. ولذا رأيناه يلتفت إلى هؤلاء المصالحين الذين انتقضوا عليه في غيابه ورموه في ظهره فيكتسح بلادهم ويقتل ملوكهم جزاء خيانتهم وغدرهم ويثبت سلطانه في تلك البلاد تثبيتاً لا مجال للخيانة والغدر.

<<  <  ج:
ص:  >  >>