للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وخلعت عليه المهابة وجلال القدر مما جعل أباه المهلب يعتمد عليه فيوليه القيادة في أدق المواقف وأخطر الساعات، ويوليه الإدارة في أوسع القطار وأغنى الأمصار. وما إن تولى يزيد بن المهلب على خراسان بعد أبيه حتى كتب للحجاج بتوليته عليها حسب وصية المهلب فما وسع الحجاج ولا وسع عبد الملك إلا أن يحترم وصية المهلب في استخلاف يزيد على خراسان، وإلا أن يحترما إرادة يزيد نفسه في الولاية عليها فأقرا يزيد بن المهلب على خراسان فأصبح والياً على هذا القطر الإسلامي العظيم بموقعة العسكري بالنسبة لحركة الفتح الإسلامي؛ وبخراجه الضخم بالنسبة لميزانية الدولة الأموية.

أقام يزيد على ولاية خراسان ثلاث سنين كان خلالها السيد المطلق والحاكم الذي ى ترد له إرادة، ولكنه لم يستسلم للراحة ولم ينغمس في النعيم، بل ظل كرأس الحية النضناض لا يرى مجالاً تظهر فيه البطولة غلا رمى بنفسه فيه فكان البطل الذي لا يغلب؛ ولا يحس بظرف تبرز فيه المكارم إلا برز فيه فكان الكريم الذي لا يجارى والعظيم الذي لا يسق له غبار.

أراد رجال عبد الرحمن بن الأشعث الثأر على الحجاج والدولة الأموية أن يجعلوا خراسان ملجأ لهم وموضعاً لحركاتهم الثورية، فقال لهم عبد الرحمن: على خراسان يزيد بن المهلب وهو شاب شجاع صارم وليس بتارك لكم سلطانه، ولو دخلتموها وجدتموه إليكم سريعاً. ولكنهم دخلوا خراسان فوجدوا يزيد إليهم سريعاً ضربهم في وجوههم ففروا أمامه مقهورين ورجع غانماً ظافراً.

وما كاد يفرغ من الضربات الباطشة التي أوقعها على رؤوس الثوار حتى انقض على قلعة عظيمة من قلاع ملوك الترك تسمى قلعة نيزك ففتحها فكان في فتحها لغزاة المسلمين خير كثير. ولكن هيهات أن يتسع صدر الحجاج لمثل يزيد بن المهلب في عقله وتدبيره وهمته وبطولته وعزته ومنعته وقوته وسلطانه. فقد تنكر له الحجاج فاستدعاه للعراق فأشار عليه بعض خاصته بعدم الذهاب إليه فقال له: نحن ىل بيت بورك لنا في الطاعة وأنا أكره المعصية والخلاف. وذهب إلى الحجاج فقبض عليه وأودعه السجن وأسرف في تعذيبه حتى هيأ الله له أن يخرج من السجن بأعجوبة فذهب إلى سليمان بن عبد الملك وهو في الرملة البيضاء وطلب منه التوسط له عند أخيه الوليد ففعل. وظل يزيد عند سليمان بن

<<  <  ج:
ص:  >  >>