بأنه مخلص لهذه المبادئ، وأنه جاد في التقرب منها مجاهد في سبيل تحقيقها. وكيف لا يكون الصافي مخلصا لهذه المبادئ وهي أهداف لأقوى غرائزه ووسائل لإشباع أعرق رغباته. وكيف لا يكون للصافي هذا المقام الرفيع في قومه، وأهدافه مشتركة بينه وبين العرب في سائر بلاد العرب، بل مشتركة بينه وبين الإنسانية كافة. واستهداف الصافي للحق والحرية والرحمة يجعله في نظرنا ليس شاعرا عربيا فحسب، بل شاعرا إنسانيا يشترك مع جميع الناس في نصرة الحق المهضوم، واسترداد الحرية المسلوبة، وإرسال الرحمة نسيما عليلا معطرا ينعش نفوس البائسين. ومع كل هذا نرى في نفسية الصافي تعقدا وفي سلوكه شذوذا. ونعتقد أن سبب هذا التعقد وهذا الشذوذ، ما قست به الطبيعة عليه من مرض وما اشتدت به البيئة عليه من فقر
الفلاح - على الإطلاق - صديق للصافي، نراه يرفق به ويتوجع له مما لحق به من أذى الظلم الاجتماعي الذي يباعد بينه وبين سعادة الحياة وهناء العيش، على رغم ما يبذل في سبيل الحياة من عرق جبين وعضلات ساعد. ولكنه لا يقف منه عند حد التوجع، بل يدفعه إلى استنكار الظلم ودفع الحيف
حتام يا هذا لسانك الكن ... وإلى م السنة الطغاة فصاح
كل الجناح على الضعيف إذا اعتدى ... أما القوي فما عليه جناح
يا ريف أن كتاب بؤسك مشكل ... يعيا بحل رموزه الشراح
أطيار روضك غالها باز العدى ... وعدا على أسماكك التمساح
الورد قد خنقته أشواك الربى ... ظلما. وفر البلبل الصداح
يا ريف مالك شرب أهلك آسن ... رنق، وشرب ولاة أمرك راح
وإذا كان الصافي صديق الفلاح في كل أرض فهو صديق الشعب في كل وطن، فاسمعه الآن يخاطب الشعب المظلوم
لا تشك للعدل ضيما واشكه لظبا ... فالعدل أصبح في الدنيا بلا أذن
لم يعطك العدل شيئا وهو ذو منن ... والسيف يعطيك ما تهوى بلا منن
لا تنتظرن أن يرد العدل عنك أذى ... فالحق في محبس القانون والسنن
ضعف الخراف دعا ذئب الفلاة لها ... فالذئب للضعف، ليت الضعف لم يكن