للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن كان يظن أن رحلة صغيرة مثل هذه الرحلة تؤتي مثل هذه الثمرة المباركة؟ ومن ذا الذي يستطيع أن يجمع في يوم واحد من مثل بلادنا المصروفة عن المكارم المغلولة اليد عن الخير - مئتي ألف من الجنيهات ليبني بها معاهد للعلم - وليس في يده قوة مادية ولا سلطة إدارية! حقا إن هذا لعجيب. ولكنه طه حسين وقوته الجبارة!

ولو أنت شهدت إقليم الدقهلية وحاضرته في اليوم الثاني من شهر مارس سنة ١٩٥١ أبهرك ما ترى، ولأدهشك ما تسمع؛ فقد أخذت الأرض زخرفها وازينت وانبعث الناس جميعا كأنهم في عيد محتشدين على جوانب الطرق التي اتخذها طه حسين لمروره في بلادهم من جنوب الإقليم إلى شماله، لم تدفعهم رجة ولا ساقتهم قوة - كما جرت العادة في مثل هذه الزيارة - ولكن دفعتهم الرغبة المشبوبة بين جوانحهم ليرحبوا به أجمل الترحيب، وليؤدوا ما يجب له من مظاهر التكريم، وليسعدوا برؤية موكب وزيرهم الذي ملأ البلاد علمه، وعم الأكوان فضله، وكأن هذا اليوم هو الذي عناه الصاحب بن عباد بقوله:

قدم (الوزير) مقدما في سبقه ... وكأنما الدنيا سعت في طرقه

وما ظنك بما تكن القلوب المخلصة وتظهر الجوارح الصادقة لرجل لا ينفك بعمل للعلم، ويسعى في نشر العلم، ولا يفتأ برجل في سبيل العلم حتى صدق فيه قول المتنبي:

كل يوم لك ارتحال جديد ... ومسير للمجد فيه مقام

وإذا كانت النفوس كبارا ... تعبت في مرادها الأجسام

وإن هذا اليوم المبارك الذي ازدهت الدقهلية به، ولم تشهد مثله على مد التاريخ كله، له ما بعده، وما بعده إلا العلم ينبعث ضوءه الباهر لينير هذا الإقليم، ثم يرسل أشعته إلى من حوله ومن يؤمه من سائر الأقاليم

وإن التاريخ ليسجل هذا اليوم على صفحاته ويجعله من الأيام التي تفاخر الأجيال بمثله، وتتحدث القرون بفضله

فهنيئا لإقليم الدقهلية بما فر من مجد وبما نال من فخر، وأهلا ومرحبا بالزائر الكريم في الحل والترحال، وحقق الله على يديه كل ما نصبو إليه من آمال

المنصورة

محمود أبو ريه

<<  <  ج:
ص:  >  >>