فمرت على قلبي طيوف كثيرة ... تطوف حولي في الدجى كالسواحر
على ثغرها الداوي شكاية حائر ... وفي وجهها الباكي كآبة عاثر
وفي قلبها الشاكي جراح كثيرة ... تنوح نواح الريح تحت الدياجر
وفي مقلتيها أدمع خلت أنها ... سوافر سركن غير سوافر
عرفتك يا أطياف عمري الذي مضى ... ولم يبق لي إلا علالة ذاكر
عرفتك لا بالعين؛ فالعين لا ترى ... بها صور من عالم غير ظاهر
ولكن بتحنان الفؤاد وخفقه ... وهزة روحي، واختلاج مشاعري
وهمس جرى في مهجتي فسمعته ... وإن كان أخفى من طيوف عوابر
أأنت التي كانت نعيما وفرحة ... لقلبي، وكانت بهجة لنواظري!
أأنت التي أنبت في قلبي المنى ... فرفت كأزهار الربيع النواضر؟
أأنت التي غنى بها القلب مسعدا ... على شدو أطيار، وعزف قياثر؟
أأنت التي كانت لنفسي مفزعا ... من الهم إذ يغشى عتي الهوادر؟
تغيرت! حتى كدت أنكر ما مضى ... وحتى لقد أوشكت أنكر حاضري
وما أنا إلا عابر لم يتح له ... من العمر إلا ما يتاح لعابر
أسير وما أدري! وأرنو وما أرى ... وأصبو وما ألقى! ولست بصابر
أظل حزين النفس يرتادني الأسى ... وتقذفني البلوى إلى كل غائر
أفكر في عرمي الذي ضاع مثلما ... تضيع على الآفاق آهات زافر
أفكر في قلبي الذي لم أجد له ... أنيسا، ولم أظفر له بمسامر!
أفكر في حظي؛ فإني لم أجد ... مثيلا له بين الجدود العواثر!
أفكر من الآلام علي أضلها ... ومن أين؟ والآلام جند المقادير
وأستر آلامي، وأخفي مواجعي ... فتفضحني آثار دمع المحاجر!
قضى الله أن أحيا بدنياي حائرا ... كأني لحن فر من ناي زامر
كأني سفين ضلل البحر سيره ... فغيب في لج من الموج غامر
كأني دفين أطلقته يد البلى ... فعاش بدنيا الناس عيش المحاذر
ألا ليتني ميت، فيهدأ خافقي ... وترسب آلامي، وترسو خواطري