للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- أنك اليوم أما مجنون لم تعلم به الهيئات المختصة بعد، أو حكيم عالمي لم يشرق أسمه قبل. فأيهما أنت؟ لا يمكن أن تكون رؤيتك لي محتاجة لكل هذه الثورة. أيهما أنت

- أنا صديقك

- أو يغنيك هذا عن أن تكون إما مجنونا أو حكيما. أتظن أن كونك صديقي يعفيك من. . .

- أراك تطيل الحديث، اسمع. . . لقد جئت اليوم مجلسك ورأيتك ولكنني جلست إليك أبحث عنك حتى ثرت هذه الثورة فوجدتك؛ كنت قد فقدتك وكنت مشتاقا إليك الشوق كله. حتى ثرت فندبت الشوق ونقمته. كنت إذا رأيتني في الأيام القليلة الماضية كلمتني بنفس غير خالصة وقلب غير مقبل؛ وكنت أحس في رنين صوتك شيئا غير الذي تنطق به فأكتم نفسي على حسرات، وفقدتك لقد عرفت عني أمرا فكتمته وسعيت وراءه تبحث عنه حتى تبين لك كذبه فكنت في فترة البحث تزور عني بنفسك وتقبل علي بلسانك، كنت تثور بي كما كنت تثور بل كنت هادئ القول ثائر النفس وقد عهدتك قبل ثائر القول هادئ النفس. . . ففقدتك. . . وفقدت معك نفسي وانطلقت مني تبحث في أيامنا الحلوة الماضية وترجع لي منها بصور شوهتها نفس فقدتك ولكنها مع هذا تحبك فهي تقبل على تلك الصورة في لهفة مشتاق يحن إلى هاته الأيام. . . واليوم ثرت بي. . . قد تبينت لك الوشاية فوجدتك. . . أرأيت إذن كيف فقدتك وليس بيننا إلا هذا النضد الذي تجلس إليه الآن؛ واليوم أجدك وإن ذهبت بك الأيام إلى أقاصي الأرض أرأيت أني؟ لم أكن حكيما لم يظهر قبل ولا مجنونا لم يحبس بعد. . . بل أنا أنا من تعرف.

- وأنا من تعرف. أبقاك الله لي صديقا حين يعز الصديق، وأبقى لي نفسك حلوة تشتاقني على قرب إذا مل قربي كل صديق، وتبحث في البعد عني إذا لم يحس ببعدي كل رفيق. . أبقاك الله.

ثروت أباظة

<<  <  ج:
ص:  >  >>