إلى الوظائف حتى بلغ تهافتهم عليه حداً يدعو إلى الرثاء؛ وهم في الحياة حيارى لا عزم لهم، لأنهم لم يتلقوا من صنوف التعليم ما يسلحهم بمثل هذا العزم، أو يمدهم بتلك الشخصية التي تصمد لمصاعب الحياة العملية ومتاعبها، وتستغل معارفها ومواهبها استغلالاً صالحاً منظماً.
وفي مصر جامعة مدنية كبرى، وجامعة دينية كبرى لها ماض مجيد؛ ولكن هل نتمتع حقاً بالتعليم الجامعي؟ وهل استطعنا أن نخلق فيهما تلك البيئة العلمية الرفيعة، وتلك الحرية الفكرية، وذلك الاستقلال في البحث، وهي أسمى المزايا الجامعية؟ إن الجامعة عندنا اسم على غير مسمى؛ وليست في الواقع أكثر من مدرسة عادية، تخضع لكل ما تمليه أهواء الذين يرون في الاستعباد الفكري وسيلة ناجعة لتدعيم الاستعباد السياسي.
ولدينا حقاً مجمع علمي للغة العربية، ولكن هل يثير ذكر هذا المجمع وظروف تكوينه غير الابتسام؟ وهل نذكر قصة إنشائه إلا على أنها لون من ألوان ذلك الطلاء الخلاب الذي يعتمد على الأسماء دون المسميات.
ولدينا جماعات علمية ذات أسماء ضخمة، ولكنها أجنبية في روحها وغايتها، وهي قلما تعني بأعمال علمية خطيرة، ولا تعني إلا بإذاعة ما يوحي إليها به من الدعايات.
وفي كل عام ننفق عشرات الألوف على بعثات الطلبة خارج القطر؛ ولدينا الآن من خريجي هذه البعثات ألوف من خيرة الشباب المثقف المتخصص قي مختلف العلوم والفنون؛ ولكن هل استطعنا أن نستغني بهم عن أولئك الأجانب الذين ينبثون في كل فروع الحكومة، ويستأثرون بأرفع المناصب بحجة أنهم خبراء وفنيون؟
الواقع أن هذه النهضة العلمية تقوم على كثير من العوامل المصطنعة والمظاهر الخلابة، وينقصها كثير من المزايا الحقيقية؛ فهي أشد ما تكون ضعفاً من الناحية الوطنية، وما زالت خاضعة لكثير من المؤثرات الأجنبية التي لا تتفق في كثير من الأحيان مع الغايات القومية؛ وهي مازالت من الناحية العملية قاصرة عن أن تجعل من الشباب المتعلم عمالاً نافعين لأنفسهم وللوطن. ومن الأسف أن المظاهر هي في كثير من الأحيان كل ما يعنى به، وأن الأسماء الرنانة هي كل ما يهم ذكره وتعداده. وقد ذهبنا بعيداً عن التشبث بهذه المظاهر والتهويل من شأنها، وغفلنا عن معالجة أوجه النقص الحقيقية. ويكفي لأدراك هذه