للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واجبات وما ينهاهم عنه من محرمات. لذلك كان من الضروري مقاومة هذه الأمور الخطيرة في المكان الذي تنتشر منه، وباللغة التي تنتشر بها، وأصبح من الضروريأيضاً أن يفهم الشباب المسلمون الخطر الذي يتواري وراء مادية الغرب والتطور الصناعي الجارف، والميل إلى التحلل من كل ما يمت للإنسانية بصلة، وما ربحته في جهادها الطويل، والمثل الروحية التي أدى الإسلام دورا خطيرا في بثها وإشاعتها في الوجود وأخيرا أصبح من الضروري أن يقام في أوربا الغربية مركز يجتمع فيه المسلمون للصلاة دون أن تحول بينهم الفوارق القومية أو الطائفية.

وإذا كان اتخاذ قرار خطير يتطلب شجاعة عظيمة، فإن تنفيذ مثل هذا القرار يتطلب صفات أخرى لا تقل أهمية عن اتخاذ القرار نفسه، قلما وجدت مجتمعة في شخص واحد، يجيد الخطابة والكتابة، والتنظيم، والاقتناع، ذي جلد على العمل الذي يحطم الأعصاب، وأن تسند كل ذلك ثقافة عميقة شاملة، واطلاع واسع المدى. ولكن إرادة الله شاءت أن تجتمع هذه الصفات في خواجة كمال الدين. لقد كان، رحمه الله، فارسا من فرسان البيان، ولسانا من ألسنة الحق، ومنقطع النظير في البلاغة وقوة الحجة والاقتناع، ولقد ترك من الآثار الأدبية تراثاً رائعاً عظيماً سيأتي الحديث عن بعضه في مكانه من هذا المقال.

لقد كان الطريق إلى النجاح الذي وصل إليه في أوربا مملوءا بالأشواك، ولكنه لم يبال بكل ذلك، ولم يكتف بالوصول إلى درجة لا تبلغ في عمقها وشمولها من الثقافة الإنجليزية، واللغة التي تحمل هذه الثقافة، وإنما هضم الفلسفة الأوربية هضما لم يتيسر لإنسان قبله، فكان يحاضر أرقى الطبقات في أعقد مشاكل الفلسفة الألمانية في سهولة ويسر وبراعة لا يشق لها غبار.

أما قدرته على العمل فكانت شيئا لا تحتمله الطبيعة البشرية، وأدى ذلك الإجهاد إلى موته في غير أوانه. وإذا قيس العمل بالنتائج كان عمله معجزة من أثاره قدرة الله. وعلى الرغم من وصوله القمة في ذلك النجاح، لم ينقطع عن مواصلة السعي في خدمة الإسلام، حتى في سنواته الأخيرة التي قضاها محطم الأعصاب، خائر القوى. ولقد مات، رحمه الله، وجزاه عن الإسلام خير الجزاء وهو يكتب تعليقا على بعض سور لتنشر في العدد التالي من المجلة التي أسسها، مجلة إسلامك ريفيو.

<<  <  ج:
ص:  >  >>