الأخلاق، وكثيراً ما كانوا يقضون الأمسيات أيام السبت يتناقشون إلى الهزيع الأخر من الليل، ثم يجتمعون لتناول طعام الإفطار يوم الأحد، ويقضون بقية اليوم سائرين يتناقشون ويتحاورن ولقد كان من بين هؤلاء الأصدقاء، فيما بعد أعلاماً يعرفهم العالم الإنجليزي؛ إلا أن أشهر هؤلاء الصحاب هو الفيلسوف الرياضي الإنجليزي (هوايت هد) الذي كان يومئذ زميلاً بالكلية ثم محاضراً، ولم تتوطد الصداقة بينه وبين رسل إلا فيما بعد حيث سيشتركان في إخراج كتاب في فلسفة الرياضة، يعد في طليعة الكتب الهامة التي خرجت في القرن العشرين وكان في هذه الأثناء متهما بدارسة الرياضة ثم قرأ (هجل) وآمن به.
وكان رسل خجولاً، أول أمره منطوياً على نفسه، ولكنه ما لبث أن تفوق على أقرانه وعرف بذكائه وحصل على درجته في الفلسفة بامتياز وأنتخب (زميلاً) في كليته في خريف ١٨٩٥؛ إلا أنه كان قد ترك كامبردج ولحق بالسفارة البريطانية في باريس سنة ١٨٩٤ ومكث هناك بضعة شهور. وفي ديسمبر سنة ١٨٩٤ تزوج رسل زوجته الأولى وذهب هو وزوجته إلى برلين، وقضيا هناك عدة شهور درس خلالها رسل الديمقراطية الاجتماعية الألمانية، ثم قفل إلى إنجلترا حيث سكن هو وزوجته منزلاً صغيراً في الريف، واعتكف في صومعته هذه على دراسة الفلسفة. وفي سنة ١٩٠٠ زار مع صديقه (الفردهوايت هد) المجمع الرياضي بباريس وقابل هناك تلاميذ الرياضي الإيطالي المشهور (بيانو) وكان لذلك اكبر الأثر على رسل، إذ أنه أخذ من فوره يدرس مؤلفات بيانو، ولم يمض كثير وقت حتى أخرج أول كتاب مهم له وهو (مبادئ الرياضيات) سنة ١٩٠٣، وشرح هو وهوايت هد في تأليف كتابهما المشترك المشهور (مبادئ الرياضة) وظهر الجزء الأول منه سنة ١٩١٠.
وفي تلك الأثناء كان يعيش غاية في البساطة، ويعمل عملاً دائباً ويرهق نفسه بكثرة الدراسة، وقد انتقل هو وزوجته إلى منزل صغير بجوار أكسفورد، وكان بين الحين والحين يذهب إلى الخارج، وبدأ يشارك رسل في الشؤون العامة ويتخلى بعض الشيء عن دراسته الفلسفية، ليلقي بنفسه في أتون السياسة، وينزل من برجه العاجي ليخوض غمار الحياة.
وفي سنة ١٩١٠ اختير محاضراً في كليته في جامعة كامبردج وما أن تلبد الجو بالغيوم،